هذا الطرح ليس عاطفيا أو من قبيل المعارضة للمعارضة أو النقد للنقد و إنما يعتمد على تحليل عقلاني لمنظومة الحكم لقيس سعيد و هي منظومة سبق و أن حكمت و فشلت بعناصر قوة كانت أكثر صلابة من اليوم.
و لكي يكون التحليل شاملا سأتبع ذلك بتدوينة خاصة للقوى المعارضة و مدى إستعدادها للبديل و النجاح.
ما هي عناصر حكم منظومة قيس سعيد ؟ بالأساس القوة الناعمة و التي تشمل أساسا الإدارة التونسية بأجهزتها و منظومتها القضائية و كذلك بجزء غير هين من القوى الصلبة و منها القوى الأمنية بصفة عامة.لم تستطع نخب البلاد منذ الإستقلال جعل هذه المؤسسات تكتسب يوما عقيدة خدمة الشأن العام عوضا عن خدمة السلطة الحاكمة بما في ذلك عشرية الحرية بعد الثورة.
إنصياع القوى الصلبة و اللينة لسلطة الحكم هو إختيار طوعي و ذلك لأن هذه المنظومات كانت دائما جزءا رئيسيا من منظومة الحكم منذ عقود عديدة و لم تفقد جزءا من ذلك الدور إلا أثناء عشرية الحرية و لذلك فلا عجب أن تكون هذه المنظومات مساندة لمن يرجعها في قلب منظومة الحكم كما كانت دائما.
أما عن الزخم الشعبي المساند لمسار قيس سعيد (و ليس هناك طبعا مسار إسمه 25 جويلية خلافا لما يقال من طرف بعض التعبيرات القومية و اليسارية الوظيفية) فإن الرأي أن المجتمع التونسي تغلب عليه ثقافة مساندة السلطة الحاكمة مهما كانت و ذلك لسببين تاريخين و هما معارضة التغيير في الغالب و كذلك إستبطان لشرعية الحكم بجعلها تمثل الدولة بمكوناتها العصرية. فثقافة المجتمع التونسي متشبعة بثقافة الدولة خلافا لبعض المجتمعات الأخرى و لكنها تحمل في نفس الوقت نوعا من الشرعنة أضخم مما هو ضروري. شرح الأسباب العميقة و التاريخية لذلك يحتاج إلى دراسة سوسيولوجية معمقة.
لقد مكّن قيس سعيد مكونات المنظومة الصلبة و اللينة من الرجوع بهما إلى منطقة الأمان لهما : منطقة الحكم المطلق و التشريع المطلق من غير محاسبة مع التحكم في المناخات الإجرائية في جميع الميادين و كذلك سياسة الترهيب لكل نفس معارض، و توظيف كل أجهزة الدولة لذلك فمنظومة الحكم تعتمد على الترهيب كوسيلة حكم و هذا مقبول بل و مطلوب من طرف مكوناتها.
منظومة الحكم اليوم و خلافا لما كانت عليه قبل 2011، مختلفة لأنها اليوم لا تشمل إلا الإدارة بينما كانت في السابق تتركب من جسم متناسق يشمل الإدارة و الحزب الحاكم بلحظتيه الدستورية و التجمعية مما كان يكسبها نوعا من التعديل السياسي و هذا مفقود تماما اليوم مما يؤكد هشاشة المنظومة الحالية و عدم قدرتها على التأطير السياسي الحقيقي للمجتمع.
سأواصل محاولة الإجابة على السؤال المطروح في التدوينة القادمة و إستعراض قوة و ضعف منظومة الحكم بمختلف مكوناتها و طريقة تعاملها مع برنامج الحكم.