بعد متابعة الندوة الصحفية في لقاء رئيس الولايات المتحدة و ملك الأردن و بعد قراءة الصحف الغربية و كذلك العربية و عديد التفاعلات في المنصات الاجتماعية (علاش ها الإسم الغالط ؟) .. رأيت من الواجب التفاعل العقلاني و الموضوعي مع هذا الحدث الهام :
1. و هو هام لأن القضية أكبر من كل القضايا .. و تعبير ترامب يتجاوز المتعارف عليه إلى اليوم بمراحل .. الملك عبد الله فُرض عليه الذهاب إلى واشنطن و لا أتخيل أنه أراد الذهاب إلى هذا اللقاء بمحض إرادته طبعا.
2. شخصية الرئيس الأمريكي هي غير دبلوماسية بالمعنى المتعارف عليه ..سياسته الخارجية هي سياسة بلدوزر و إستفزازية و عنيفة و هو يقول الأشياء بفجاجة غير عادية وراءها غطرسة القوة العسكرية الأولى في العالم (و لو أنه لا يستعمل ذلك مباشرة) و القوة الإقتصادية الأولى و طابع العملة الدولية الأولى في العالم و هو يستعملهما رئيسيا.
3. طريقة سلوكه أمام الإعلام و خطابه مع الرؤساء يبدأ في إظهار هيمنته حتى في طريقة سلامه أو وضع يده من فوق و حتى في نظراته ثم في كلامه المباشر و الذي لا يخضع النواميس الدبلوماسية (و إني شخصيا لست مع هذه النواميس ).
4. هو لا يرى حرجا في إحراج ملك الأردن أمام الإعلام .. عبد الله لم يكن على علم بهذه الندوة و لذلك بدى غير متهيئ لها .. و الإحراج وصل إلى حده عندما قال له : " لا بد أن لك أشياء تريد قولها .. حان الوقت لقولها !"
و لا بد من القول أن اللقاء الصحفي سبق اللقاء الرسمي .. ترامب يريد لقاءا و تفاوضا على المباشر و هذا من الأشياء غير المعتادة في السياسة طبعا و لم تكن تجربة الملك كافية بالرغم من سنوات حكمه للتعامل مع ذلك و جلب الإحترام له و لشعبه و لموقفه ..
5. خلافا لما يقال في وسائل الإعلام العربية، لم يوافق الملك عبد الله على تهجير الفلسطينيين و لكن إجاباته كانت باهتة أمام خطاب مخاطبه المباشر .. نحن هنا أمام خطاب قوة مهيمِن مقابل خطاب ضعف مهيمَن عليه.
6. هل كان بالإمكان أن يكون للملك خطاب مغاير ؟ نعم طبعا و حتى إن أخذنا بعين الإعتبار شخصية الملك و طريقته في التعامل الدبلوماسي غير الفج ..كان بالإمكان أن يذكر الحضور و يذكر الرئيس الأمريكي بتاريخ المنطقة و أن يذكره بوقائع مظلمة القرن و أن يذكره أن هذا الواقع لم يكن للعرب أي ذنب فيه بل بالعكس و أن يذكره بجرائم الكيان بالطريقة التي يمكن له أن يتحدث بها و أن يذكره بموقف العالم .. ثم أن يأخذ مثالا أمامه و أمام العالم و يقترح عليه لما لا أن يقع إقتطاع أرض في الولايات المتحدة لتهجير الإسرائيليين إليها و هكذا تنتهي المسألة نهائيا .. و بطريقة تحترم القوانين الدولية ..و كان لا بد من التأكيد على مسألة القوانين و الأعراف الدولية أمام رئيس لا يعترف بها تماما...
7. و من الطبيعي أن يحاول ترامب مقاطعة الملك ..لهذا الحديث و الإجابة لن تكون غير " أتركني يا سيادة الرئيس ذكر تاريخ لم يتسن لك قراءته" !! مع أني أستبعد أن تصل جرأة الملك لهذا الحد !! (هو حلم عاطفي ).
8. ثم من الخطأ الجسيم القول بأنه ينتظر موقف مصر .. و لو أنه حاول تدارك ذلك بالقول بأن العرب سيكون لهم قول موحد بعد لقائهم القادم في العربية السعودية .. و كان من الضروري أن يتكلم على مبادرة السلام المطروحة من قبل الجامعة العربية في قمة بيروت و التي رفضها الكيان .. كان له من الحديث الكثير الكثير الممكن ..
أمام الصور التي ينشرها بعض رواد الفيسبوك لا يسعني إلا أن اعبر عن إمتعاضي .. الرجل (و ليس الملك هنا) مريض بمتلازمة تجعل صوره غير لائقة للنشر .. و ليس من الأخلاق نشرها ..
في كلمة واحدة، من هو الرئيس أو الملك العربي القادر اليوم على مجابهة هذا البلدوزر أمام الرأي العام الأمريكي و العالمي بخطاب قوي مماثل لقوة خطابه ؟ (لا أتكلم هنا على المقاومة التي تحمل بمفردها هم القضية) ..
اعتبر شخصيا أن العالم العربي و الإسلامي (كذلك) يمر بأتعس حالاته و أن موقف الرئيس المصري بإلغاء زيارته لواشنطن هو الأسلم نظرا للمتاح الممكن و المقبول ..في إنتظار قمة الرياض .. و لو !!!!