1-
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين هو تنظيم شبه-أكاديمي اسلاموي دولي تأسس سنة 2004 وترأسه الاخواني يوسف القرضاوي حتى سنة 2018 وهو اليوم تحت رئاسة أحمد الريسوني الذي هو الرئيس السابق لحركة التوحيد و الاصلاح المغربية القريبة من تيار الاخوان المسلمين ايضا (ولكن ضمن الظروف المغربية).
و هذا الاتحاد ليس تابعا لمنظمة المؤتمر الاسلامي وليس خاضعا لمراقبة وزارات الشؤون الدينية في البلدان الاسلامية بل هو منظمة تقول عن نفسها أنها 'غير حكومية' مع أنها من ثمار السياسة القطرية و أنها 'غير حزبية' مع أنها أقرب الى التصورات و السياسات الاخوانية ودليل ذلك ان الشيعة والاباضية المنتمين الى الاتحاد يسيرون في ركب معاداة الأنظمة والأحزاب و الحركات الشيعية واالاباضية التي لها ميول نحو ايران . وفرعه في تونس لا يخرج عن هذا الاطار بدليل أن رئيسه هو عبد المجيد النجار القيادي النهضاوي المعروف.
2-
ولكن طالما يعمل هذا الفرع التونسي في اطار القانون فانّ النضال ضدّه يجب أن يكون نضالا قانونيا سواء كان ذلك بالفكر أو بالفعل. ويمكن القيام بذلك من خلال الدعاية الفكرية المضادة و من خلال العرائض والاعتصامات والمظاهرات ( التي لا يجب أن تمنع التنظيم من عمله ويجب ألا تؤدي الى احتكاكات جسدية بين المتظاهرين وموظفي ومرتادي الاتحاد...) و تقديم القضايا في المحاكم و صولا الى المطالبة بتغيير القوانين التونسية التي تسمح له بالنشاط -هو وأشباهه من الجمعيات و التنظيمات- من داخل البرلمان و من خارجه.
3-
ولذلك فما قام به الحزب الدستوري الحرّ ضد الاتحاد من صراع فكري-سياسي و من تنظيم اعتصامات ورفع قضايا هو حق من حقوق الحزب و مقبول اذا تم في اطار احترام القانون . ولكن وصول الأمر الى حدّ اقتحام المقرّ يعني مخالفة القانون ويتطلب عقابا قانونيا .
4-
أمّا سياسيا فهذا العمل هو أكثر سوءا حتى من ممارسات التجمع الدستوري الديمقراطي الذي كان بارعا في اقتحام مقرات الآحزاب و الجمعيات و حتى بيوت المناضلين، ولكن باعتماد قوات الأمن غالبا...على الأقل في الظاهر. انه اقتحام مواطنين مدنيين ليس لهم الحق في ذلك لمقر منظمة لها وجود قانوني وهي ، زيادة عن ذلك، أ- المنظمة التي استقبلت تونس-بن علي رئيسها القرضاوي في مارس 2009 بمناسبة تظاهرة "القيروان عاصمة اسلامية"و -ب- المنظمة التي لا يختلف معها الحزب الدستوري الحرّ في بعض المواقف الفكرية ويستغل نضاله ضدّها سياسيا بطريقة تهدّد تنظيم الصراع في الاطار الديمقراطي بغاية فرض استقطاب دستوري-اسلامي لا غير.
5-
كما انّ ممارسة الاقتحام لمقر الاتّحاد يمكن أن توحي كون الحزب الدستوري الحرّ قد يكون مستعدّا لممارسة اقتحامات لمقرات أخرى مثل 'المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في تونس وهو المركز ذي المقر الأصلي القطري بإشراف عزمي بشارة مثلا. و من يعرف ،فيمكن غدا أن يقع نفس الاقتحام لمقرّ فرع ما يسمى "الرابطة الدولية لفقهاء القانون الدستوري" التي أعلن عن تأسيسها في قطر في 16نوفمبر 2020 وأسندت رئاستها الى الرئيس قيس سعيد لو فتح لها مقرّ في تونس .
6-
و سيرا على خطى موروث التجمع السابق الذي يعتز به الحزب الدستوري الى درجة عدم الترحم على شهداء 2010-2011 و سحبا على سلوكه السياسي الحالي يمكننا في المستقبل أيضا توقّع اقتحامات في "مؤسسة روزا لكسمبورغ -مكتب شمال افريقيا " في تونس بتهمة العلاقات اليسارية الدولية و " مركز محمّد البراهمي للسلم والتضامن " بتهمة العلاقات القومية العربية ،الخ.
-7-
بناء على هذا وغيره فانه لا يجب على أي ديمقراطي رفض مثل هذه الممارسات التي تهدّد بالانزلاق نحو تحويل الصراع -الضروري- الديمقراطي السلمي الى صراع عنيف في تونس، حتى لو كانت موجّهة ضدّ خصم فحسب ، بل يجب استنتاج ما يجب استنتاجه من مثل هذه الممارسات سياسيا بحيث لا توضع لا في خانة ممارسة 'النضال المدني' الديمقراطي (الذي لا يكون سوى سلميّا ) و لا في خانة الدفاع عن' الدولة المدنية ' الديمقراطية التي تختلف عن تسلّط الدولة البوليسية ( كما كان حال دولة بن علي التي يدافع عنها الحزب الدستوري الى اليوم ).
و عليه فانّ اسناد الحزب الدستوري في مثل هذه الممارسات باسم 'الحداثة' و' المدنية' و 'اليسارية' وغيرها ليس سوى تراجعا عن الديمقراطية التي تبقى أفضل السبل للنضال ضدّ كل أشكال التسلّط و الاستبداد باسم الاسلام أو باسم الحداثة أو بأي اسم آخر. وللتذكير فانّ نفس هذا الموقف المبدئي هو الذي يجب تبنّيه لو اعتدى الاسلاميون أو غيرهم على مقرات الحزب الدستوري الحرّ أو أي من جمعياته، وهو نفس الموقف ضدّ كل عنف مهما كانت درجته و مهما كان شكله و أيا كان فاعله وأيا كان ضحيّته داخل المجتمعين السياسي والمدني في تونس .
" نضالنا مدني ديمقراطي سلمي جماهيري واسع . والعنف لا يخدم سوى الرجعية. "
الشهيد شكري بلعيد