خطاب 'الانقلاب الدستوري'، الذي يحترف بعض السياسيين والمثقفين والاعلاميين النفخ فيه هذه الأيّام ، هو المرحلة الثالثة من نفس الخطاب المتواصل منذ سنوات عشر بعد انتهاء صلوحية خطاب 'الانقلاب العسكري' (منذ 2019 مع وزارة الزبيدي خاصة) وبعد انتهاء صلوحية خطاب 'الاستئصال العلماني /اليساري' قبله (منذ 2014 مع رئاسة قايد السبسي خاصة) ،وذلك بهدف التحفيز النفسي و التوجيه الفكري و التعبئة العملية للحماية من التفكك التنظيمي الداخلي من ناحية ،و من التفكك الحكومي من ناحية ثانية ، ومن الانعزال الدولي من ناحية ثالثة .
وهذا الخطاب يقوم بممارسة عنف رمزي يهدف الى تبرير الصمت عن تأجيل حل الصراعات الداخلية وتبرير الصمت عن تأجيل اجراء المراجعات الحكومية وتبرير الصمت عن عدم تغيير السياسات الدولية، وهي عوامل ثلاثة قد تؤدّي الى الانهزام السياسي المباشر الآن أمام رئيس الجمهورية والى الانهزام الانتخابي اللاحق أمام المعارضة السياسية.
وهذا الخطاب يستعمل منذ عقد من السنوات نفس التقنية السياسية: لعب دور الضحية لخلق حالة من الرهبة السياسية التي تعرقل نفسيا وفكريا وعمليا كل عملية نقدية سياسية-تنظيمية أو سياسية- وطنية وبالتالي تعطل كل حياة سياسية ديمقراطية حقيقية وتعوضها بأخرى براغماتية تسلطية وتمكنية في الداخل وذيلية وتمسكنية في الخارج.
وبهذا الخطاب يتم اذن تبرير التأجيل البيرقراطي للحسم الداخلي في المشاكل التنظيمية وتبرير التحالف السياسوي مع مجرم مالي ضد رئيس الجمهورية وتبرير المزيد من التسوّل الدولي بتخفيض سقف الكرامة الوطنية عبر المراهنة على المحاور الاقليمية والخضوع لكل الاملاءات الدولية، ولكن:
" يمكنك أن تضلل بعض الناس كامل الوقت ،وأن تضلل كل الناس بعض الوقت ، ولكن لا يمكنك أبدا أن تضلل كل الناس كامل الوقت !"
هل يعني ذلك أنه لا توجد قوى داخلية واقليمية ودولية لا تخامرها افكار الاستئصال والانقلاب العسكري والانقلاب الدستوري في تونس؟
لا،توجد. فعلا. ولكن أخطرها ليست المشار اليها الآن. وان مقاومتها الحقيقية تتم بعد مراجعات تاريخية جذرية بتبني الخيار الوطني الاجتماعي الديمقراطي عبر تكوين 'كتلة تاريخية' مع شركاء الوطن المؤمنين به فعلا ومن ثمة تأمين حاضنته الشعبية المدنية والنقابية والسياسية - غير الرسمية والرسمية - والأمنية والعسكرية والاقليمية والدولية.
ولكن ' فاقد الشيء لا يعطيه!'