كل أطراف الصّراع الدّائر في تونس اليوم حول هشام جعيط لا تقول الحقيقة وتستثمر في اسم هشام جعيط وتزايد على بعضها البعض وتكذب على قواعدها وعلى الناس لا غير.
1- هشام جعيط كان يعتبر حداثة الدستوريين متسلطة واستبدادية. وهو لم يكن في أي يوم من الأيّام دستوريّا، بل عاني من بورقيبة ومن بن علي سياسيا وأكاديميّا وناصر ثورة 14 جانفي.
2- هشام جعيط لم يكن في أي يوم من الأيام اسلاميّا ، وجزء أساسي من فكره موجه لنقد التصور الاسلاموي عن الدين الاسلامي وعن التاريخ الاسلامي ، وهو مفكر علماني بطريقته الخاصة ويعتبر الاسلام السياسي ظاهرة سياسية عارضة ستضمحل مع التقدّم.
3- هشام جعيط لم يكن في أي يوم يساريا. وجزء من مشروعه الفكري موجه ضد اليسار العربي بما في ذلك ضدّ كبار مفكريه ومؤرّخيه خاصة في نظرتهم للدين وفي فهمهم للتاريخ، وفي بعض تصريحاته الأخيرة اعتبر أنّ "اليسار انتهى " أصلا.
4- هشام جعيط لم يكن في أي يوم قوميا عربيا بالمعنى الايديولوجي/السياسي (ناصريا أو عصمتيا أو حتى بعثيا) وان عاش ومات عروبيا وتأثر في بداياته بميشيل عفلق وبقيت تربطه علاقات وجدانية -سياسية مع العراق ولكنه تمايز فكريا عن البعث منذ أول كتبه 'الشخصية العربية الاسلامية والمصير العربي' وأعلن فيه صراحة انه لا يشعر بانتمائه '' الى الأسرة الروحية التي في هذا الاتجاه "(ص .7)
5- هشام جعيط كانت له رؤيته الفكرية الخاصة للحداثة والدولة الوطنية والاسلام والعروبة والعلمنة والأنسنة،الخ. ، وكان أقرب الى توجه عروبي - اسلامي اصلاحي و لكن جذري خاص به يختلف فيه عن كل التيارات السياسية التونسية. كما كانت له علاقات جيدة مع قلائل من مناضلي الاتجاهات المذكورة كلها، ولكن خاصة مع الشخصيات الفكرية الاعتبارية و مع بعض المؤسسات الصحفية المستقلة أو القريبة من المعارضة الديمقراطية والحقوقية والنقابية وغيرها لا غير.
6-كل أطراف الصّراع الدّائر في تونس اليوم حول هشام جعيط كانت دائما متوجسة منه كشخص وكفكر ، وكلها كانت تنقده داخليا في احاديثها الخاصة متهمة اياه في شخصه (بتهمة 'التعالي' و' المخزنية' و 'البلدية') وفي فكره بالتهم الكلاسيكية التي يطلقها كل هؤلاء ضد خصومهم. ولكن لا طرف من هذه الأطراف صارعه فكريا بوجه مكشوف ، وكلّهم -ولكن بدرجات متفاوتة طبعا -ينطبق عليهم قول م. درويش : " يريدونني ميّتا لكي يمدحوني !"
7- خلاصة القول و باللهجة العامّية :
البركة فيكم الكلّ في وفاة جعيط ،أمّا بالله نقّصو من الكذب على الرّاجل راهو كان مختلف على الناس الكلّ ، واحترمو تاريخو الفكري والشخصي الخاصّ، و احترمو موتو ، وسيّب عليكم خاصة من حكاية فخرة النعجة بليّة الكبش راهي البلاد صغيرة و الناس تعرف بعضها ، و راهم التوانسة الكل يعرفو اللي 'الميت تطوال ساقيه' ، وكان فيكم خير سيبو الشبيبة الجديدة تقرا وتناقش وتستفيد من فكر جعيط وتنقدو زادة ثماش ما يفلحو هومة بعد ما أجيالنا نحن فشلت الى اليوم في انها تسلمهم بلاد ما ينجموش ما يحلموش باش يهجّو منها. باهي !
ملاحظة ختامية :
لم تكن لي أي علاقة شخصية بهشام جعيط . وما كتبته هنا ليس 'ظزّ حكمة' أكاديمية أو سياسية تزعم فهما أكبر لجعيط أو قربا أكثر منه ، بل هو مجرّد 'فشة خلق' لا غير كما يقول بعض أشقائا في المشرق العربي سببها ما أطالعه منذ يوم وفاته، و أعتذر عن التعميم الظالم للبعض وتحديدا لمن لهم ميول فكرية وسياسية عروبية ( ولكن علمية وعلمانية وأنسنية بشكل يجعلهم شبه بعث جديد - شبه يسار جديد ) فحسب، ولكن ليس لغيرهم الذين ، في علاقة بجعيط تحديدا ، لا مفاضلة بينهم الا بمنطق ضرورة المفاضلة بين السيء والأسوأ ...مع الأسف الشديد.