- مقدّمة :
هنالك اشكالية حقيقية في تونس تتمثّل في سطحية نظرتين لعلاقة قطر بالثورة التونسية. نظرة أصدقاء قطر الذين يقولون بمساندة قطر المطلقة للثورة ونظرة خصوم قطر الذين يقولون أنها تعادي الثورة بالمطلق. ويعتمد الأوائل ،مثلا، على عنصر تأكيد مساندة قطر لكل من المرزوقي وقايد السبسي وقيس سعيّد في نفس الوقت، مع تجاهل اختلاف درجة المساندة، بينما يعتمد الثانون خاصة على تأكيد مساندة قطر الاستثنائية للمرزوقي في الرئاسة ولحزب حركة النهضة في الأحزاب أكثر من غيرهما.
والمشكل أن كلا النظرتين صحيحتان، ولكن منقوصتان لأنهما لا تقومان على تحليل علمي سياسي، بل على سجال سياسي يخفي تعقّد المسألة الذي يتطلّب عقلا مركّبا لتحليله و للتعامل معه. وأملنا هنا هو الاسهام في توضيح الأمر باختصار بعيون تونسية نعتقدها مختلفة نسبيّا.
-الأطروحة الأوّلى : قطر في المنطقة و العالم
قطر مشيخة صغيرة جغرافيا وديمغرافيا وغنية بيتروليا وخاصّة غازيّا . وهي مملكة تقليدية وقاعدة عسكرية أمريكية سياسيا-عسكريا .وهي شبكة قنوات الجزيرة اعلاميّا. و هي رأسمالية خراجية -استهلاكية اقتصاديّا .وقطر سنية -حنبلية مذهبيا وأصبحت في وقت ما ذات ميول اخوانية ايديولوجيا-سياسيا بينما هي تتموقع بين السعودية الحنبلية -الوهابية مذهبيا غربا وايران الشيعية-الاثني عشرية مذهبيا شرقا ، وبين السعودية الامريكو-غربية ولاءا جيو-سياسيا غربا و ايران الطامحة الى مكان خاص تحت الشمس والمراهنة على روسيا والصين جيو-استراتيجيا شرقا.
وبعد تدمير العراق ازداد بروز الضلع الثالث التركي شمالا . وتركيا هي دولة ليست لا كالسعودية و لا كإيران .تركيا آسيوية-أوربية جغرافيا، وهي دولة قومية علمانية نظاميا و التي اقتربت من الاخوان سلطويا مع أردوغان ، وهي قوة رأسمالية اقليمية صاعدة نسبيا،وهي سنية-حنفية -صوفية مذهبيا و دولة عضو في الحلف الأطلسي عسكريا وذات علاقة تاريخية مع اسرائيل ديبلوماسيّا.و هي التي أصبحت لاعبا اقليميا جنوبها في السنوات الأخيرة بما في ذلك في اسناد قطر اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. و لكن مصر تزن غربا مقابل الكيان الصهيوني الجاثم شرقا على أرض وشعب فلسطين ،مصر الثقل الجغرافي و الديمغرافي و التاريخي و العسكري و الجيواستراتيجي و مصر مهد تنظيم الاخوان المسلمين الأول و الأكبر في العالم.
- الأطروحة الثانية : دور قطر الاقليمي ما قبل الثورة التونسية
على عكس الكويت،الملكية-البرلمانية التي كانت تلعب أدوارا اقليمية من نوع آخر ذات طابع ثقافي أساسا في النظامين العالمي والعربي القديمين، و هو الدور الذي أنهاه لها التدخل العراقي سنة 1990، برزت قطر اقليميا لأوّل مرّة كلاعب سياسي من خلال 'اتفاق الدوحة' الخاصّ بلبنان الذي لعبت به دور الوسيط الطائفي اللبناني داخليا والجيو-استراتيجي اقليميا ودوليا، ثم كبر دورها نسبيا ، بتغطية اعلامية من خلال الجزيرة بما في ذلك لانجازات المقاومة الاسلامية اللبنانية، بعد أن دخلت على خطّ احتضان الاخوان المسلمين سياسيا وعبر بوابة حماس و القضية الفلسطينية تحديدا، الى أن جاءت الثورة التونسية كحلقة أولى مما سيسمى 'الربيع العربي'.
- الأطروحة الثالثة : قطر وبن علي
كانت علاقات بن علي مع قطر علاقات متقلّبة؛ لا هي سيئة تماما و دائما و لا هي حسنة تماما ودائما. ولم يكن ذلك يعود الى تقلّب بن علي و الى تقلّب قطر معا فحسب، بل كان عائدا أيضا الى تقلّب سياسة الاخوان المسلمين مع بن علي بين اعلاء صوت المعارضة واخفاتها حسب الفترات. ويذكر الجميع زيارة القرضاوي الى قيروان تونس كما يذكرون مديح الجزيرة المؤقّت لفسحة صخر الماطري وبنك واذاعة الزيتونة و تثمين راشد الغنوشي لذلك ، ثم يذكرون أخيرا دور الجزيرة الكبير في تغطية حراك 10 ديسمبر 14 جانفي و ما تلاه بالتوازي مع استضافة معارضي بن علي في استوديوهاتها الى أن تمت الاطاحة به.
- الأطروحة الرّابعة : الثورة التونسية بعيون قطرية أو "لبنان المغرب العربي":
وهي تلعب دورها من خلال "اتفاق الدوحة" الخاص بلبنان ،قدّت قطر خدمتها السياسية الكبرى الأولى للنظامين الاقليمي والدولي .وكانت تلك الخدمة من نوع خاص كما خصوصية لبنان حيث تتداخل العوامل الطائفية الداخلية اللبنانية مع العوامل الجيو-سياسية الاقليمية والدولية. كان "اتفاق الدوحة" اتفاقا مارونيا -سنيا-شيعيا-درزيا في الداخل اللبناني واتفاقا غربيا-سعوديا-ايرانيا-سوريا في الخارج بالأساس.
و لا يمكن لقطر أن تلعب دورا في تونس الا اذا تلبننت تونس بمعنى ما؛ بمعنى ظهور الأحزاب الطوائف التونسية المرتبطة اقليميا ودوليّا بما يعني أن الثورة التونسية يجب عليها أن تبقى ثورة سياسية لا تتجاوز تحقيق الانتقال من الاستبداد السياسي الى الديمقراطية السياسية ... ولكن التابعة. ولكنّ أمرين جديدين في تونس حصلا لصالح قطر ولم يكونا موجودين في لبنان تحديدا
: أ-وجود أذرعة لقطر نفسها في العملية : منصف المرزوقي/المؤتمر-الحراك و الغنوشي/النهضة وأخيرا مخلوف/ ائتلاف الكرامة و
-ب- وجود ثورة شعبية يمكن اختراقها/توظيفها كما حصل في غزّة/حماس و على عكس المقاومة الاسلامية الشيعية في لبنان التي بقيت في محور سوريا-ايران.
- الأطروحة الخامسة : قطر و مجاراة 'اللبننة' الديمقراطية التونسية
'مثلما' لا يمكن اقصاء و،خاصة، استئصال الطوائف في لبنان، لم تعط الثورة التونسية الى حدّ الآن لأية قوة سياسية داخلية واقليمية ودولية امكانية حسم الأمر نهائيا والانفراد بالدولة/المجتمع ولذلك تضطر قطر الى مجاراة تقلّبات الثورة التونسية ومن هنا يفهم سعيها ،مثلا، الى المحافظة على علاقات غير عدائية مع الباجي قايد السبسي -2014-2019 ومع قيس سعيّد 2019-2021،رغم أن الأفضلية كانت لمنصف المرزوقي من الناحية السياسية.
و لكن لأنّ المماثلة ليست كاملة ،ويمكن اللعب عليها بتغيير موازين القوى لأن الأحزاب السياسية التونسية ليست أحزابا طائفية ولأن نسيج المجتمع التونسي ليس نسيجا طائفيا، سيبقي اسناد قطر الأساسي موجّها للمرزوقي-الغنوشي -مخلوف الى حين آخر حسب ما تقتضيه اللعبة الاقليمية والدولية.
- الأطروحة السادسة : قطر و الثورة التونسية و الديمقراطية الأمريكية
يلخّص مشهد الجزيرة وهي تنقل مباشرة تصفيق أعضاء الكونغرس الأمريكي واقفين للثورة التونسية سنة 2011 السياسة القطرية ( والتركية) تجاه الثورة التونسية. ويعكس المشهد في نفس الوقت تناقض تلك السياسة وقتها،مثلا،مع السياسات الفرنسية -دوليا- و مع السياسة السعودية /الاماراتية -ولاحقا مع سياسة السيسي المصرية وفي نفس الوقت مع السياستين الجزائرية والليبية.
لقد كانت السياسة القطرية في تونس حتى وقت قريب جدّا تنفيذا للسياسة الديمقراطية الأمريكية المتمثلة في البحث عن فرصة لإيصال الاخوان المسلمين الى الحكم او تشريكهم فيه لتحقيق هدفين أساسيين :
أ- تحويل المواجهة مع الحركات الارهابية الى مواجهة محلية 'اسلامية/اسلامية' لتخفيف الثقل عن سياسة التدخل الأمريكية و
-ب- الوقوف ضدّ صفي الأنظمة التابعة ذات الميول /الارتباطات غير الأمريكية وضدّ الأنظمة و الحركات الوطنية العربية والاسلامية . وقد كانت تلك السياسة تشتغل بخطتين:
أ- المفاوضات الاصلاحية والضغوطات الديبلوماسية ،
و -ب- استثمار الانتفاضات الشعبية لتحقيق انقلابات أو ثورات جذرية...ولكن ذات سقوف أمريكية.
انّ ما مارسته قطر في تونس منذ انطلاق الاحتجاجات في 17 ديسمبر 2010 الى اليوم لا يخرج عن هذه السياسة .ولكنّها وان مارستها الى اليوم في تونس بطريقة براغماتية - بسبب موازين القوى المتقاربة الداخلية والاقليمية والدولية - فإنها في مقابل ذلك فعلت العكس في ليبيا وسوريا واليمن بحيث انخرطت في تسليح الانتفاضات الليبية والسورية وفي قصف اليمنيين بسلاح الجو مع قوات ‘التحالف العربي' العسكرية.
لقد اضطرت قطر ( وتركيا) الى مجاراة تعرجات الثورة التونسية -والمصرية - السلمية ، ولكنها شاركت في 'التصدير المسلّح للثورة التونسية' داخل باقي الدول العربية ( في ليبيا وسوريا تحديدا) لأنّ الهدف هناك لم يكن يقبل الاكتفاء بتعويض استبداد تابع بديمقراطية تابعة تشتغل كنموذج 'لبناني' للتعايش و'الوفاق' يضمن مصالح مختلف المتدخلين الداخليين والخارجيين -الغربيين ومن والاهم من العرب، بل كان تدمير الدول الوطنية العربية -التي تحكم بلدانا طاقية ثرية جدا أو تحتل مواقع استراتيجية خطيرة - باستثمار الانتفاض الديمقراطي ضد استبدادها لكسر آخر حلقات 'الممانعة' العربية بعد التخلص من العراق واضعاف ايران وروسيا والصين في المعادلة الجيو-استراتيجية الاقليمية.
و للتذكير، لم تنج من الدعاية 'الثورية' القطرية، بإرادة 'تلقائية' قطرية، سوى دول كالمغرب و الأردن رغم حصول تحركات داخلها. ولم لم تنج منها ، بضغط ضد ارادة قطر، سوى الجزائر التي استفادت من تجربة سنوات الحرب الأهلية.
- الأطروحة السابعة : في الخصوصية الوظيفية- التوظيفية للسياسة القطرية تجاه الثورة التونسية
نعم هنالك خصوصية ما للسياسة القطرية ( والتركية) الى حدّ الآن تجاه الثورة التونسية و الديمقراطية التونسية التي تختلف ظاهريا عن السياسة السعودية والاماراتية والعسكرية المصرية ولكن ليس جوهريا - بحكم بقائها في مربع التبعية - الا بسبب الموقف من موقع الاسلاميين المقبول فيها و في مدى الاضرار بالمصالح التقليدية الداخلية والخارجية .ويعود ذلك الى أمرين أساسيين لا علاقة لهما بقطر في حدّ ذاتها بل بتونس وعلاقاتها الدولية، و هما خصوصية التركيبة الاجتماعية والسياسية التونسية و خصوصية الارتباطات الدولية التونسية.
ولكن قطر ليست دولة اخوان مسلمين كما يعتقد البعض من خصومها العلمانيين وكما يتوهّم البعض من أصدقائها الاسلاميين . لو كان الأمر كذلك لتبنى الأمير الأمر وأسس 'الاخوان المسلمين في قطر' وانطلق ينفذ سياستهم. قطر بهذا المعنى اقل اخوانية حتى من تركيا حيث يحكم حزب محسوب عن الاخوان، ولكن في دولة ديمقراطية لا يتمتع داخلها بالحرية المطلقة التي يتمتع بها أمير قطر في بلده.
ولهذا فن دور قطر هنا هو دور وظيفي -توظيفي للإخوان ولغيرهم ممن يقبل ذلك لا أكثر و لا اقلّ. انّها تمارس دورا اقليميا وظيفيا يخدم بعض خطط دولية أمريكية -بريطانية -اسرائيلية بالأساس ،و تستفيد هي منها قطعا بوصفها دولة ، من خلال لعب دور توظيفي لكل من يقبل بذلك من الاسلاميين و العلمانيين الليبيراليين والقوميين واليساريين ، والأمثلة على الأخيرين معروفة من قبل الجميع عربيا وتونسيا ومنها أسماء مثقفين أشهر من نار على علم.
وانّ هذا الدّور القطري (والتركي ) الوظيفي-التوظيفي لا يتناقض مع الدور السعودي (الاماراتي، المصري) الا من حيث الوظيفة والتوظيف وعلاقتهما بالمصالح الخاصة لكل دولة.
فرغم علاقة النظام السعودي مثلا بنفس 'الموظف' الا أن اعطاء دور كبير للإخوان المسلمين مثلا سيفقد السعودية رأسمالا رمزيا وبشريا كبيرا تستعمله في تحقيق أهدافها الخاصة لأن الاخوان سيعوضون السلفيين وقتها في الساحة الاقليمية والدولية مما يجعل السعودية تخسر ريادتها الدينية في العالم الاسلامي السني من ناحية وتخسر طريقتها الخاصة في توظيف الاخوان -كما كانت تفعل أحيانا كثيرة- التي تختلف عن التوظيفين القطري و التركي الحاليين. وان الاختلاف السعودي -القطري في هذا المجال تحديدا هو بالتالي اختلاف مصلحي خاص رغم وجود نفس الموظف ورغم الاستعداد للقيام بالدور الوظيفي -التوظيفي نفسه من ناحية المبدأ.
و لكن المصلحة هنا لا يجب أن تفهم على أساس انها مصلحة دينية فحسب -أو أساسا- بل على انها مصالح اقتصادية و اجتماعية و سياسية وعسكرية وديبلوماسية. وهذا هو ما يجعل أنظمة تأتلف و/أو تختلف نسبيا من الناحية الدينية-المذهبية الصرفة تأتلف و/أو تختلف في سياستها الوظيفية-التوظيفية . وأكبر مثالين على ذلك تحالف السعودية الحنبلية ومصر الشافعية ضد قطر الحنبلية وتركيا الحنفية ، وقس على ذلك.
من ناحية أخرى،يتشابه الدور التوظيفي لهذه الدول للإسلاميين وللعلمانيين على السواء من حيث المبدأ والممارسة ويظهر ذلك في توظيف الأحزاب والجمعيات ومراكز البحث العلمي و البحث الديني واستجلاب العمالة وتوظيف المدونين و المثقفين ،الخ. وفي تونس مثلا، لا يتطلب الأمر نباهة خاصة لملاحظة ذلك في السنوات الأخيرة .
وان الميزة الوحيدة التي يتميز بها الدور الوظيفي -التوظيفي القطري في تونس تحديدا هي فقط ما يمكن أن يخلقه الدور من "نتائج مفارقة" تسمح للتونسيين باستثمار "الديمقراطية التابعة" لتجنب الانقلاب العسكري أو الحرب الأهلية وتطويرها بالنضال الوطني الاجتماعي الديمقراطي ولكن بشرط سماح الموظف الأكبر ( أو 'المعلم الأكبر' حسب تعبير الباجي قايد السبسي ) وخصومه الدوليين بذلك، اذ ليس الفضل في ذلك لا لقطر الوظيفية و لا لأدواتها من الزعماء السياسيين و من المثقفين ولا لضحاياهم المساكين من جماهير الاسلاميين والعلمانيين على السواء.
ولكن هذه الميزة نفسها ليست ميزة ،مقارنة بالوظيفية-التوظيفية السعودية -الاماراتية -المصرية مثلا ، الا عندما يكون الاسلاميون هم الأقوى. فلو كانوا ضعيفين في التجربة الديمقراطية وكان الأقوياء هم من أدوات هذه الدول الثلاث لسمحت هذه الدول بدورها بالديمقراطية التابعة التي يهيمن عليها أتباعهم أو أصداقؤهم ولكن ،بشرط سماح 'المعلم الأكبر' بذلك أيضا. وهذا ما نراه في لبنان لأسباب خاصة و يمكن أن يحدث مثله في تونس أو أي بلد آخر، ولكن حسب خصوصيات كل بلد داخليا وخصوصيات مكانته الجيو-استراتيجية الاقليمية والدولية.
- خاتمتان في خاتمة :
أ- خاتمة موضوعية غير تونسية :
بعد الصمود السوري النسبي بدعم ايراني-روسي ، و بعد المصالحة الخليجية ، و بعد المصالحة التركية -المصرية ، و بعد المصالحة الليبية ، وبعد التغييرات الحاصلة في السودان، و بسبب احتمال تغيير السياسة الديمقراطية الأمريكية بعد ما أنتجته سياسة ترامب الجمهورية من نتائج ، وبعد الموجة الجديدة من التطبيع ، و بالنظر الى قوة التأثير الفرنسي -الأوروبي في تونس ،ونظرا لأن الجميع يأخذ بعين الاعتبار وزن الشقيقة الجزائر ، و بالنظر الى الأزمة العالمية التي تصاحب وستعقب أزمة كورونا ، وتصديا لنمو القوة الروسية والصينية ، وتركيزا على مواجهة ايران وحلفائها في المنطقة يسعى اليها الكيان الصهيوني و لكنها تتطلب 'مصالحة سنية' ، الخ. يمكن أن ننتظر تغيير سياسة قطر (وتركيا) الوظيفية -التوظيفية في تونس و لكن ليس بالضرورة لصالح سياسة السعودية ( والامارات و مصر ) السابقة تماما .
ب - خاتمة ذاتية تونسية :
بسبب الخصوصية الوطنية النسبية للسياسة الخارجية لرئيس الجمهورية، وبسبب الوزن النسبي لبعض الأحزاب السياسية الوطنية بما في ذلك في البرلمان ، وبسبب الوزن الهام للاتحاد العام التونسي للشغل ومواقفه الوطنية ، وبسبب وجود معارضة حزبية وجمعياتية محترمة للتدخلات الأجنبية في تونس ، وبسبب قدرة الشارع التونسي المتواصلة على الضغط، وبسبب ما يمكن أن يحدثه ما يبدو من تغيير نسبي في مواقف قطر (وتركيا) من الاخوان المسلمين من تأثير على الاسلاميين التونسيين وحلفائهم ، وبسبب تعمق الأزمة التونسية على كل الصعد ،الخ.، يمكن أن نتوقّع احتمال تغيير ذاتي تبادر به أجنحة من الأحزاب الاسلامية والعلمانية المتورطة في الوظيفية-التوظيفية القطرية-التركية وغيرها لمحاولة انقاذ نفسها ولو بدأت بما يشبه المطالبة بمساومة وطنية و ديبلوماسية تاريخية تقتنع بتعديل العلاقة في اتجاهين اصلاحيين على الأقل :
أ- الدعوة الى تونسة الأحزاب بإبعاد القيادات التي تورطت كثيرا في الوظيفية الاقليمية -الدولية عن مراكز القرار أو حتى اقصاؤها تماما و تغييرها بقيادات جديدة متمحورة حول الوطن ومتضامنه مع الشركاء فيه مع انفتاحها على العالم .
ب- الدعوة الى تقديم العلاقات الرسمية لتونس مع كل الدول على العلاقات غير الرسمية للأحزاب بها مع الحرص على أن تكون جيّدة مع الجميع قدر الامكان وفق ديبلوماسية تونسية جديدة نسبيا.
وبذلك، لو حصل طبعا، ولكنه صعب جدّا في الوقت الحالي، يمكن أن نبدأ في القطع ولو الاصلاحي مع الوظيفية-التوظيفية ونأمل وقتها في احتمال تكوين كتلة تاريخية وطنية -اصلاحية ،على الأقل، تحاول تطوير الثورة التونسية في اتجاه وطني اجتماعي ديمقراطي ينجز اصلاحات جذرية ما أمكن تحت سقف الديمقراطية الذي يجب تطويره هو نفسه كشكل كي يقبل ما سينمو من مضامين في داخله.