يوم 4 أوت 1914 نشرت صحيفة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني (Vorwärts) خبر تصويت نواب الحزب بالموافقة على ميزانية الحرب التي اعتمدتها الحكومة الألمانية آنذاك فكانت تلك القطرة التي أفاضت الكأس مع كاوتسكي وجماعته وتأكدت في السنة الموالية في مؤتمر زيمروالد 1915 الذي شهد نشأة 'اليسار اللينيني العالمي' تقريبا انطلاقا من الموقف من الحرب تحديدا.
لو اتبع لينين وروزا منطق "يسار فلاديمير بوتين" اليوم لكان موقف جماعة كاوتسكي هوالصحيح ؛كان لينين سيقول حسب هذا المنطق القومي الشوفيني : ان بروز ألمانيا كقوة امبريالية جديدة سوف يقضي على الهيمنة القطبية للانقليز والفرنسيين ،وان بروز روسيا كقوة امبريالية جديدة سيفعل ذلك أيضا.
و كان سيقول ان اعتداء ألمانيا وروسيا على جيرانهما ضمن مخطط مقاومة الهيمنة البريطانية والفرنسية سيكون عملا ايجابيا ، هو وجرائم الولايات المتحدة في القارة الأمريكية ، لأنه سيساعد على كسر الهيمنة البريطانية -الفرنسية . ولعلّ "يسار فلاديمير بوتين" اليوم يقول لنا ان كل اعتداء ضد الجيران تقوم به البرازيل أو الصين أو الهند أو ايران أو تركيا، وقبلها ألمانيا واليابان، من باب مقاومة الهيمنة القطبية للولايات المتحدة، هو عمل ايجابي يجب اسناده للقوى ' الامبريالية الصاعدة' لأنه يضعف 'الأحادية القطبية'.
ولكن فلاديمير لينين لم يفعل في بلده روسيا نفسها ذلك حتى أنه اتهم بالخيانة الوطنية من قبل 'الحكومة المؤقتة الروسية ' التي شارك فيها المناشفة الروس الذين اتبعوا نفس التكتيك المساند لبورجوازيتهم القومية في الحرب العالمية الأولى ، و ذهب كل من كارل ليبكنخت وروزا لكسمبزرغ ضحايا اغتيال حكومة فايمار الاشتراكية الديمقراطية نفسها في ألمانيا بعد ذلك سنة 1919…
ولكنّ 'يسار فلاديمير بوتين' ينسى ذلك أو يتناساه ، بل انّ بعضه -وأقول جيّدا بعضه- يكاد يتبنّى نفس موقف بعض الحركات الاسلامية التي تساند تركيا لأنها كانت مركز الخلافة الاسلامية حتى وان أصبحت دولة قومية علمانية فيساند 'يسار فلاديمير بوتين' روسيا لأنها كانت مركز الاتحاد السوفياتي حتى وان أصبحت دولة امبريالية قومية !
أكثر من ذلك، ينسى 'يسار فلاديمير بوتين' انّ بوتين عيّنه بوريس يلتسين رئيسا لجهاز 'الأمن الفدرالي الروسي' ثم وزيرا أوّل قبل أن يخلفه في الرئاسة مؤقتا في 31 ديسمبر 1999. ينسون أنه صنيعة بوريس يلتسين ،نعم يلتسين الذي دمّر الاتحاد السوفياتي بعد سقوط غورباتشيف و الذي دكّ البرلمان الروسي بالدبابات عندما فاز به الشيوعيون الروس . نعم ينسى 'يسار فلاديمير بوتين ' هذا ويكررون كالببغاوات خطبه الانتهازية المحيلة الى الاتحاد السوفياتي و الى حربه ضد النازيين دون أن 'ينتبهوا' الى أنها 'كلام حق يراد به باطل' بسبب طابعها القومي الشوفيني الذي لا علاقة له بما يحيل اليه .
وهكذا، وعوض أن يكشف اليسار النقاب عن زيف خطاب بوتين القومي الشوفيني عندما يذكر بوتين نضال السوفيييت ضد النازية -التي تعود فعلا في أوكرانيا مع زيلينسكي ضمن برنامج قومي يميني عميل للغرب - وعوض أن يحذر الشعوب الروسية و الشعوب الأوكرانية (نعم الشعوب الأوكرانية من أوكرانيين وروس أوكرانيا وغيرهم من الأقليات القومية هناك ) من خطورة اليمين القومي الأوكراني و الروسي على حدّ السواء، عوض ذلك، ينخرط 'يسار فلاديمير بوتين' وراء بورجوازية أمته الاستعمارية الشوفينية الروسية ويدفع موضوعيا الى ظهور "يسار زيلينسكي" في أوكرانيا،وهو يسار سيكون هو الآخر قوميا شوفينيا و/أو ليبيراليا غربيا معاديا لمصالح شعوب أوكرانيا ، نعم شعوب لأن أوكرانيا دولة متعددة القوميات .
وطبعا سيذكّر 'يسار فلاديمير بوتين' بمنع زيلينسكي للحزب الشيوعي في أوكرانيا من النشاط لتبرير موقفهم.ولكنهم على الأرجح سيندّدون باليسار الروسي الذي سيرفض الحرب ويعارض بوتين؛ سيكونون روسا أكثر من اليساريين الأمميين الروس ...وفلاديمير لينين منهم براء...وأنا بريء من لينين لأنني لست شيوعيّا...ولكنني لينيني هنا...لأن موقف لينين في هذه المسألة هو أشرف موقف يساري : موقف رفض الاصطفاف مع بورجوازية الوطن القومية عندما تكون البلاد استعمارية (روسيا) أو تابعة (أوكرانيا) ودعوة الشعوب الى النضال المشترك ضد هذه البورجوازيات كلها في اطار علاقة أنسنية أممية تضمن في نفس الوقت حق الشعوب في تقرير مصيرها القومي (خارجيا ) ومصيرها السياسي (داخليا) بعيدا عن أي تذيّل للبورجوازية الاستعمارية و/أو التابعة المحلية .
'' يا لينين انهض فلقد أصبحوا مجانين !'' انّهم ينسون قولك '' إن ما يبدو اليوم مجرّد اختلاف في الرّاي قد يصبح غدا مسألة حياة أو موت' ...و لعله قد أصبح كذلك...اذ قد تكون الصواريخ الروسية قد قتلت يساريين أوكرانيين -ممنوعين من النشاط ،نعم- في بيوتهم أصلا ،وهي على الأرجح قد قتلت عمّالا وفلاحين وجنودا فقراء هناك.
اللّهمّ و 'التّارخمّ '،إنني بريء من هذا اليسار الذي بحجة كون تعدد الأقطاب الراسمالية أفضل ، موضوعيا ، من احاديتها تراه يسند ، ذاتيا ، أحدها ضد الآخر، ولا يخوض معركته حتى ولو كانت معركته تلك اليوم لا تمثل سوى ' خفق جناحي فراشة' أنسنية !