مع دخول شهر يونيو /حزيران بدأ حديث السفر والإجازات، ولكنه حديث تنغّصه كثرة الحذر والإجراءات والتعقيدات التي فرضتها جائحة كورونا مهما كانت الوجهة. ربما اختار الكثيرون البقاء حيث هم تجنبا لكل ما سبق، مع التحسب لأسوأ الاحتمالات، ومن بينها أن تسوء الأوضاع في البلد الذي ستذهب إليه فيغلق حدوده أو يقرر نفس الشيء البلد الذي يقوم فيه فتتعذر عليه العودة.
كثير من الدول السياحية المعروفة في العالم لم تعد تتحمّل نكسة أخرى في وارداتها الضخمة من هذا القطاع فقررت أخيرا فتح حدودها أمام الزوار، ولكن وفق إجراءات سعت قدر جهدها ألا تكون معقّدة كثيرا وخصصت لها مواقع إلكترونية معينة بها كل التفاصيل.
مع ذلك، حرصت كل الدول تقريبا على نشر قوائم للدول المسموح لمواطنيها بالدخول، والأخرى المحظورة، مع امكانية تغيّر الوضع من حال إلى آخر، سواء ضمن جدولة معروفة أو حتى بدونها، فتنفرج الأمور لدى البعض وتتعقّد لدى البعض الآخر. ووفق منظمة السياحة العالمية فإن 32٪ من وجهات السفر العالمية المعروفة كانت مغلقة بالكامل أمام السياح في فبراير/ شباط الماضي وأن هناك 2٪ فقط من الوجهات حول العالم رفعت جميع قيود السفر.
لم يجانب وزير السياحة في جزر البَلْيَار التي تقع في شرق إسبانيا، وتتمتع بحكم ذاتي، الصواب حين شبّه الجائحة الحالية التي يعاني منها كل العالم تقريبا بأنها كانت «طعنة خنجر» للسياحة وهو ما تؤكده فعلا منظمة السياحة العالمية حين قدّرت خسائر القطاع في العالم بـ1300 مليار دولار، مع فقدان ما بين 100 إلى 120 مليون وظيفة، مرجّحةً أن هذا القطاع سيحتاج إلى فترة بين عامين ونصف إلى أربعة حتى يستعيد المستويات التي كان عليها عام 2019.
يوجد الآن أمل في أن تتمكن عديد الوجهات السياحية في العالم من استعادة بعض عافيتها لكن لا شيء مؤكدا بشكل نهائي فحتى حجوزات الفنادق هي حجوزات أولية وقد تلغى إذا ما جد جديد في انتشار الوباء وما يصحب ذلك من اجراءات فورية تتعلق بالسفر. هذا السفر ما زال في الغالب غير منصوح به إلا للضرورة القصوى لكن حلول فصل الصيف وشعور الناس بالتوتر الشديد جراء كل ما حصل العام الماضي حال دون استمرار التضييق على السفر.
لقد بات وزراء السياحة هذه الأيام الأكثر نشاطا من بقية زملائهم وتعددت مقابلاتهم الصحافية وتطميناتهم المختلفة لجلب السياح من أي مكان في العالم خاصة إذا كانوا في السابق من المعروفين تقليديا بالزبائن الأوفياء لهذه الوجهة. الجميع لا يريد لعام 2021 أن يكون كسابقه الذي وُصف بأنه «أسوأ عام في تاريخ السياحة العالمية» بعد أن شهد تراجعا في أعداد السياح في العالم بمليار شخص مقارنة بعام 2019 وهو ما لم يحدث حتى في الأزمة الاقتصادية العالمية الكبرى 2008 ـ 2009.
للأسف لا توجد أرقام دقيقة وذات مصداقية تتعلق بالدول العربية السياحية مثل مصر والمغرب وتونس كما أن السياح الأجانب قد لا يكونون واثقين تماما من الأرقام التي تقدمها هذه الدول، وغيرها من دول العالم الثالث، بخصوص مدى خطورة الوباء في تلك الدول. لقد فقدت إفريقيا والشرق الأوسط 75٪ من أعداد سائحيها العاديين، فيما فقدت أوروبا 70٪ وهو ما يمثل 500 مليون زائر لكن الفرق بين الاثنين أن أوروبا تتحرك حاليا بكل قوتها الاقتصادية ومكانتها الدولية لإعادة إصلاح ما خربته الجائحة فيما تغرق باقي الدول في تعقيدات داخلية تتعلق ببنيتها الصحية ومدى توسع تلقي شعبها للتلقيحات التي ذهبت شوطا هاما في الدول المتقدمة.
تتحرك أوروبا بشكل جماعي في هذا المجال مما يعطي لتحركها وزنا أثقل فيما تحاول الدول العربية السياحية القيام منفردة بأقصى ما يمكنها القيام به دون أن تضمن النجاح الكامل لمساعيها. المفوضية الأوروبية مثلا اقترحت على الدول الأعضاء في الاتحاد، إزالة قيود السفر الحالية عن المسافرين الذين تلقوا كامل جرعات اللقاح المضادة لفيروس كورونا التي أقرها الاتحاد الأوروبي بحيث يسمح للأشخاص الذين تلقوا اللقاحات المعتمدة من الاتحاد بالسفر إلى الدول الأوروبية مع إعفائهم من متطلبات الحجر الصحي وفحص كورونا.
تونس مثلا تعمل هي الأخرى على نفس التوجه راجية أن يكون تخفيف إجراءات الدخول بداية انتعاش القطاع السياحي الذي أصيب في مقتل لا سيما مع عدم تمكن السياح الجزائريين من مغادرة بلادهم للعطلة في تونس كعادة الكثير منهم عادة، فيما يبقى الأمل معقودا الآن على السياح الليبيين الذين قد يعودون بكثافة إلى تونس هذه الصائفة.
النقطة الأخرى المهمة في هذا الشأن هو أن الكثير من الدول في العالم باتت تراهن على مواطنيها وعلى السياحة الداخلية التي ستعيد تنشيط الفنادق والخدمات، ولكن ما يقدر على دفعه المواطن البريطاني أو الألماني مثلا ليس دائما في متناول اليد بالنسبة للتونسي أو المغربي أو المصري.