في الأجواء المتوترة التي تشهدها تونس حاليا قبل أقل من شهر من انتخابات رئاسية مثيرة للجدل، لم نر سياسيا تونسيا، خارج دائرة المرشحين، يحاول أن يقدّم تقييما لمدى جدية هذه الانتخابات مع تشخيص صريح ومؤلم للمزاج الشعبي الراهن وحال المعارضة التونسية دون أن يلعن المستقبل أو يغلق باب الأمل.
أحمد نجيب الشابي، زعيم «جبهة الخلاص الوطني» المعارضة فعل ذلك بكل رصانة وجرأة، ففي مقابلة أدلى بها لقناة «الزيتونة» التونسية، الوحيدة التي ما زالت تستضيف شخصيات معارضة، جلس الشابي ذو التاريخ النضالي الطويل ضد الاستبداد ضد نظام الحبيب بورقيبة ثم زين العابدين بن علي، بكل هدوء ليشرّح بصراحة وضعا تونسيا معقّدا مما أكسب هذه المقابلة أهمية خاصة، تستحق فعلا عرض أبرز ما جاء فيها.
الشابي الذي تعرّض لحادث صحي ألزمه البيت لشهرين استطاع خلالهما أن يتابع الأوضاع بمسافة هادئة تطرّق في مقابلته مع الصحافي عامر عيّاد، الذي لوحق في فترة سابقة بسبب عمله، اعتبر أن الانتخابات الرئاسية في السادس من أكتوبر المقبل «مسخرة» ذلك أن «السلطة عبّدت الطريق لتجديد البيعة لقيس سعيّد ومن الدورة الأولى وبأرقام عالية بعد أن سجنت الإعلاميين والسياسيين وطوّعت القضاء ووضعت يدها على هيئة الانتخابات التي أصبحت خصما للمعارضة».
وعلى عكس من يدافع عن ضرورة المشاركة في هذه الانتخابات، ترشّحا وتصويتا، دعا الشابي صراحة إلى مقاطعتها وإدانتها لأنها «مضروبة من رأسها إلى أخمص قدميها» وتفتقد لشروط التنافس النزيه قائلا إنه «يخجل أن يقال إن هذه الانتخابات فرصة للتغيير» رافضا الخوض في ما يروج عن تدخلات إقليمية أو دولية فيها لأنه «لا يستطيع الحديث عمّا لا يعلم».
وتوقّع الشابي ألا تتوجّه أغلبية الشعب إلى التصويت تعبيرا عن «اليأس من السياسة» كما سبق أن فعلت في كل المواعيد الانتخابية التي دعا إليها سعيد من برلمانية ومحلية واستفتاء على الدستور، أما الجزء الذي سيذهب فأغلبه سيصوّت لقيس سعيّد وهذا «ليس من باب التنبؤ ولكن من باب القراءة العقلانية الهادئة الواضحة للأمور». وفي استنتاج مؤلم، اعتبر أن «الشعب التونسي لا يعبّر الآن إطلاقا عن رغبة في التغيير السياسي وهو لا يرى أن مشاكل البلاد الحالية حلها سياسي» وذلك نتيجة خيبة أمله من تجربة الانتقال الديمقراطي، ما جعله يعتقد أن من الأفضل له أن «يتمسك بالسيئ خشية ما هو أسوأ».
هنا لا يبرّأ الشابي المعارضة من مسؤوليتها عن كل ذلك، في وقت تحجم فيه القوى السياسية عن تقديم قراءة نقدية لأدائها الذي ساهم في إيصال البلاد إلى ما وصلت إليه الآن. لم ينكر زعيم «جبهة الخلاص الوطني» التي تضم مجموعة من الأحزاب والجمعيات المناهضة لانقلاب سعيّد من أبرزها حركة «النهضة» أن زخم هذه الجبهة «اعتراه الضعف والتراجع في القدرة التعبوية ولكن الموقف السياسي المقاوم للانقلاب متواصل» متسائلا بمرارة عن عدم وجود أي قوة سياسية معارضة تتقدّم المشهد السياسي في ظل غياب أي دور فعّال للمجتمع المدني واتحاد الشغل وباقي المنظمات المهنية الأخرى.
ودعا الشابي المعارضة التونسية المشتتة والمتنافرة إلى أن «تعود إلى رشدها وتدرك أن يدا واحدة لا تصفّق خاصة وهي واعية بضعفها وانعزالها عن المجتمع، عليها أن تتواضع لجمع القوة لأن في التكاتف خلقا لإمكانية التأثير الأكبر وفتحا لآفاق وآمال جديدة (…) وتعي أن الظرف ليس ظرف فرقة أو محاسبات بل ظرف تكتّل لاستعادة الديمقراطية».
ومع أن الشابي اعترف بأنه «لا يرى حالة وعي جديد في تونس» لكن ذلك لم يدفعه إلى اليأس معتبرا أن «السلطة في طريق مسدود وليس لها سوى الهروب إلى الأمام حتى الارتطام بنهاية الطريق» ذلك أن «الاستبداد يسقط عادة على وقع اهتزازات اجتماعية يتوقّعها كل العالم لتونس لأن شروط الانهيار الاقتصادي موجودة، وحين يقع سيأخذ مضمونا سياسيا لأنه سيقع في وجه السلطة السياسية». ومع أن تونس عاشت مع كل من بورقيبة وبن علي حكم الفرد لكن هناك فرقا بين عهديهما والعهد الحالي، كما يقول الشابي، فبورقيبة «كان يعرف ماذا يريد بالضبط (بناء مدارس ومستشفيات وسكن اجتماعي) وكان هناك فكر وتخطيط وحوله شخصيات هامة لهم باع في الحياة العامة، وحين كانت هناك أخطاء وجدت إمكانية التدارك لأنه كانت هناك بوصلة» أما بن علي فهو «ابن الإدارة التونسية والمؤسسة العسكرية وعرف كيف يقود البلاد وأنجز الكثير» في حين أننا اليوم أمام قيس سعيد الذي «تاريخه السياسي محدود ورؤيته السياسية لا نستطيع إدراكها من خلال خطبه لأنها قائمة على التنافر ولم نر له منجزا واحدا..ومن يرى له ذلك فليره لنا» معتبرا أن «حكم الفرد الحالي لا يقدّم أي أفق لحل الأزمات التي تعيشها البلاد وبالتالي لا يمكن له أن يعمّر».
وعندما سئل الشابي عما يمكن أن يسمى غياب «عقل الدولة» في تونس أجاب بأنه «عندما نقول إنه لا يوجد عقل للدولة فذلك يعني كلاما آخر قد يعني التجريح… ولا أريد فعل ذلك».