في فترة لم تعرف فيها تونس الرسمية سمعة سيئة في الخارج كالتي تشهدها حاليا منذ انتكاسة تجربتها الديمقراطية قبل عامين، تحدث وزير خارجيتها نبيل عمار فقال إنه كان «من الضروري شرح الوضع الذي وجدت تونس نفسها فيه بعد العشرية الماضية وهو وضع صعب على كل الجبهات والتونسيون يعرفون ذلك جيداً، لذلك يجب أن نُطلع الرأي العام الغربي وشركاءنا، على خصوصيات وتفاصيل هذا الوضع، لأن الرأي العام له تأثير على مواقف القادة ولا بد من استثمار ذلك».
جوهر هذا الكلام الذي قاله الوزير لوكالة الأنباء التونسية الرسمية (وات) أن المشكلة الحالية في هذه السمعة المتدهورة باستمرار تكمن في عدم قدرة الدبلوماسية في الشرح المستفيض لأوضاع تونس وهو الشرح، الذي لو تم بشكل جيّد، فقد كان يمكن، حسب رأيه، أن يجعل هذه الصورة أفضل بكثير.
وبعد أن أوضح الوزير أنه «شخصياً مقتنع بسلامة المسار الذي أطلقه رئيس الدولة» نراه يمضي ليضيف بأن «الدبلوماسية التونسية لم تواكب لسوء الحظ هذا الزخم مع أنه كان عليها الرد بسرعة للدفاع عن خيارات تونس وتجنّب أي سوء فهم في الخارج لما يحدث هنا».
المشكل إذا، كما يراه الوزير، عبارة عن «سوء فهم» وضمنيا تقصير من سلفه، مع أنه ليس مهما أن يكون الوزير مقتنعا هو شخصيا بل أن يكون خطابه إلى الخارج هو المقنع فعلا، ففي النهاية لا يُقنع إلا ما هو مقنع كما يقال. المسألة لا تتعلق بالتوجه إلى هذه الدول الغربية ورأيها العام وإنما بمضمون الرسالة التي ستوجهها إليهما ومدى تماسكها و«وقوفها على رجليها» كما يقال، أي أن لا تكون هذه الرسالة قائمة على الدعاية وأنصاف الحقائق فأنت في النهاية تتوجه إلى حكومات لديها قدرة فائقة على جمع المعلومات عن بلادك ومتابعة كل ما يجري فيها، سواء عبر سفاراتها أو كل ما ينشر فيها وعنها، كما أن الرأي العام في هذه الدول ليس بالسذاجة التي تجعله ينخدع بالكلام الانشائي الذي يمكن أن يضحك به البعض على جزء من الشعب لكنه لن يمر مع حكومات عريقة وهيئات دولية كبرى، سياسية واقتصادية، ومنظمات مجتمع مدني متمرّسة وقادرة على التمييز بين الغث والسمين.
وطالما أنه لا يُقنع إلا ما هو مُقنع فعلا، فكيف لأي كان، وزيرا كان أم خفيرا، أن يقنع الغرب بل والعالم أنه «لا مجال لإرساء الدكتاتورية اليوم في تونس» كما قال الوزير في حديثه، ورئيسه متحكم في كل دواليب الدولة منذ يوليو/تموز، بلا حسيب ولا رقيب، وذلك بعد أن أعلن «تدابير استثنائية» كان يفترض أن تكون محددة زمنيا، لمجابهة «خطر داهم» كان يفترض أن يكون واضحا للجميع، فإذا به يجنح بالبلاد كاملة ليعيد تشكيل نظامها السياسي، ضاربا بعرض الحائط بالمشاركة الضعيفة في كل المواعيد الانتخابية التي دعا إليها لتزكية ذلك.
حلّ قيس سعيّد برلمانا منتخبا مع أنه هو نفسه صرّح بأن الدستور لا يسمح له بذلك، ثم ألغى الدستور الذي جاء به إلى الرئاسة وأقسم على احترامه ليصيغ بنفسه دستورا جديدا، في سابقة لم تحدث في أي بلد في العالم، ثم يحكم به دون قسم، حلّ كل الهيئات المنتخبة ووضع يده على القضاء كما لم يفعل رئيس من قبله، ثم مضى في حملة اعتقالات سياسية واسعة في قضايا مفتعلة تماما، مع تخوين كل من يخالفه وسن تشريعات تكمم الأفواه وترسي مناخا من الخوف مصحوبا بإطلاق يد المؤسسة الأمنية لترتع كما تشاء.
ومع أن السيد نبيل عمار، وهو سفير سابق في عواصم غربية وازنة ويعرف كيف تسير الأمور فيها، اعترف في نفس المقابلة بأن «الانتقادات التي لا أساس لها من الصحة (لم يوضّح كيف) تُلحق الضرر بصورة تونس وتؤدي إلى فقدان شيء من الإشعاع الذي كان باستطاعة البلاد أن تحققه على المستوى الدولي» وبأن «الاقتصاد التونسي تأثر سلبا» من التصريحات الغربية المنتقدة لبلاده، لكنه سرعان ما أضاف بأن «هذه التصريحات تلقى صدى ضئيلا لدى الرأي العام في تونس» بل ويقول إن «وراء هذه التصريحات الصادرة عن بعض المسؤولين الغربيين، هناك طموحات سياسية وانتخابية وكذلك رغبة في استمالة الرأي العام الوطني في بلدانهم وناخبيهم هناك وخاصة مع اقتراب الفترات الانتخابية» وهو بالتالي يفرغها تماما من أية وجاهة، أو نصيب من الحقيقة، مهما كانت.
أما الطامة الكبرى فقول الوزير التونسي، بعد استعراض «مظلومية» ألا يكون الغرب متفهما لحقيقة ما جرى ويجري في بلاده، إنه «طالما نحن مقتنعون بخياراتنا، فإننا لا نولي اهتماما لخطابات البعض، لأن تونس بصدد ممارسة حقوقها والدفاع عنها».. وكأنه يقول لهذا الغرب تلك الكلمة الشهيرة من حرفين لا غير التي كان العقيد الراحل معمر القذافي مغرما بها.
طالما أن الأمر كذلك، «سير يا قايد سير ولا تهتم».