انتقل الى الضفة الأخرى من الوجود ليرتاح من آلامه.. هل تصدق ان من كان سبب سعادة البشرية تألم في أخر أيامه فوق احتمال البشر... لكن الليلة انتهت آلامك..عزيزي بيليه.. ستنام دون أوجاع العادة وستحلم كالفراشات.. أما نحن فسنبيت ليلتنا ونحن نتذكر اهدافك العجيبة.. ونتساءل كيف فعلتها؟ يا لك من ماكر..
سنندهش وكأننا نرى تلك الأهداف لأول مرة.. رغم أن الجميع يحفظها عن ظهر قلب.. وسنشكرك عزيزي بيليه.. نشكر روحك الجميلة التي صنعت شيئا جميلا في مخيلتنا حتى وهي تعبر السماوات..
أتساءل دائما هل كان يمكن لكرة القدم ان تكون ساحرة بذلك الشكل لو لم يكن هناك بيليه أو أديسون كما سماه والده تيمنا بالمخترع توماس أديسون.. وكما أزال أديسون بمصباحه الظلام عن العالم وأخرجه الي النور.. جعل أديسون بيليه كرة القدم تتوهج وتخطف ألباب الملايين.. وهو الجوهرة التي كانت تشع في الملاعب.. وكانت ابتسامته تسبق غضبه وانزعاجه.. كان بيليه صانع بهجة حقيقي داخل وخارج الميدان..
بيليه الذي حلم في طفولته ان يكون طيارا كما أخبر بذلك ذات مقابلة صحفية.. ربما لم يدرك انه قاد طائرة خاصة و لسنوات تسمى طائرة الإبداع والسحر والرقص ببهجة مع الكرة وكأننا في حفلة لاتينية صاخبة و مجنونة.. إذا كان اليوم هناك أساطير في الكرة فكل تلك الاساطير تنحي أمام الأسطورة بيليه..
منذ مدة شاهدت مقابلة تلفزيونية قديمة حضرها مع مارادونا... تصوروا.. أي معجزة حدثت ليلتها... نظر اليه مارادونا وقال بتلك النبرة المشاغبة "أتعرف تمنيت دائما أن ألعب معك الكرة بالرأس".. قالها ذلك المجنون وهو يبتسم كالأطفال.. ابتسم بيليه ونهض من كرسيه وقال له "لماذا تتمنى لنفعلها الآن".... وكانت تلك اللحظة…
لحظة التاريخ و العظمة و رقص آلهة الاغريق... قابلا بعضهم وبدأ يتبادلان الكرة بالرأس.. المشهد كان مهيبا ويحبس الأنفاس.. كان بيليه يبتسم وكأنه في العاشرة و مارادونا عينيه تلمع وكأنه في اعتراف حب... يا الاهي الجميل.. مارادونا وبيليه ببدلتهما وبكامل أناقتهما.. يتبادلان الكرة بالرأس.. تبا لكل تلك اللحظات الخارقة التي تنتهي بسرعة.
بيليه الضاحك والمحب لالتقاط الصور . كان افيون أجيال من الجماهير ومن اللاعبين حتى قيل ان الحرب الاهلية في نجيريا توقفت لمدة 48 ساعة حتى يشاهدوه يلعب..
في ناديه سانتوس البرازيلي يعرف يوم 19 نوفمبر بيوم بيليه للاحتفال بالذكر السنوية لهدفه رقم 1000! بيليه الذي يعتبر ان "ركلة الجزاء هي طريقة جبانة للتسجيل" استغل شهرته ليكون سفيرا امميا للبيئة وجعل كرة قدم أداة للتواصل بين الشعوب و للدفاع عن البيئة .
انتهت رحلة الملك الليلة.. غادرت بيليه.. اكيد ستلتقي بذلك الوغد مارادونا الذي طالما انتقدت تصرفاته الرعناء وقلت انه مثال سيء للشباب.. وقتها سخر منك وقال ومن يهتم لك و انت تأتي من المتحف.. لكن اعتقد انه الليلة سيكون سعيدا بوصولك وسيهزأ منك ويذكرك بهزيمة البرازيل في المونديال وسيتبجح بالأرجنتين ليغيظك.. وعندما يراك غضبت .. سيبتسم.. ويقول نكتة وقحة ذلك الوغد…
اعتن بنفسك جيدا هناك... وكن بخير.. وشكرا لأنك كنت موجودا في هذا العام الكئيب لتخفف عنه البعض من آلامه.