قد يكون قرار محكمة التعقيب جيدا ولكنه قطعا ليس تأكيدا حاسما على استقلالية القضاء… حتى لا نبالغ قد يكون أنصف مظلوما ولكنه لم يرفع ظلما الى الآن..
قد يكون رسم حدودا لتطبيق المرسوم ولكن هل نحن واثقون تماما ان محاكم الدرجة الأولى والدرجة الثانية ستلتزم بتفسير و تأويل محكمة التعقيب وتحكم وفق روح ذلك القرار وتوجهاته وتتعامل معه كفقه قضاء مستقرّ يعتمد في الحكم..ناهيك وان محكمة التعقيب تتعاطى مع تطبيق القانون ولا تنظر في وقائع الاتهام.
تزامن هذا القرار التعقيبي مع سياقات مواجهة معلنة مع المرسوم والقضاء (مبادرة 60 نائبا لتعديل المرسوم والضغط المتواصل على مكتب المجلس لإحالة مقترح التعديل وفق الاجراءات القانونية و الأهم الاعلانات المتواترة لهيئات الدفاع والمحامين بمقاطعة المحاكمات السياسية ومحاكمات الرأي بشكل عام وهو ما قد يحشر الجهاز القضائي برمته في زاوية حادّة من خلال حركة احتجاجية ستكون لافتة على كل المستويات ويصعب بعدها استرجاع الثقة في وجود عدالة ) وهذا التزامن لا يمكن اغفاله او القفز عليه حتى نرى ما يؤكد بشكل قاطع نوايا الاصلاح من الداخل..
على مدى عقود وعقود كان لمحكمة التعقيب قرارات مرجعية فرضت واقعا "تشريعيا" جديدا التزم به قضاة محاكم الاصل وباتت مرجعا للنطق بالحكم وأثثت الفراغات التشريعية بالتفسير والتأويل مثل "قرار حورية" او "قرار سامي" الخ الخ..
ولو استمرّ فرض العمل بالمرسوم 54 (انا مع انهاء العمل به تماما ) سيكون قرار الامس قرار سنية مرجعا مهما للدارسين وللناطقين بالأحكام اذا ارادوا الالتزام بقيم العدالة والانصاف التي أقسموا عليها ذات يوم ..
اليوم وبعد خيبات الامل الكبيرة في محاكم الاصل.. على محكمة التعقيب ان تواصل العمل بشجاعة لإعادة الامور لنصابها و اعادة ما اختلّ من توازن التطبيق لأن وجودها على رأس الهرم القضائي ليس عفويا بل يقينا بأنها اخر قلاع تحصين العدالة واليوم هي امام فرصة تاريخية لتعيد الامجاد القديمة وتمسح ما علق بها من شوائب خاصة في السنوات الاخيرة.