أنا أؤمن جدا بفكرة عدم الاستسلام او القبول بأي أمر واقع كواقع قدري لا يمكن تغييره.. أؤمن بالمحاولة.. والقتال حتى النفس الاخير.. اؤمن بالعناد حتى ولو كانت معركة بسيطة ولا رهانات فيها، فما بالك والرهان وطن.. فما بالك والرهان حريات مسجونة في زنازين خانقة دون جريمة واضحة ..
فما بالك و كل يوم يُوضع سرجا ولجاما.. وانا مع المجازفة و اللعب حتى بقواعد لعب وضعها الخصم.. لأن فرضية المباغتة دائما مطروحة ولا يمكن ابدا الاستهانة بها.. دافعت عن ذلك ودفعت اليه ولست نادمة ابدا!
كنت اعتقد دائما في قيمة المحاولة وارادة الشعوب التي لا تهزم تحت اي ظرف.. ورغم كل اعطاب المسار الانتخابي واقصاء المرشحين الوازنين في المشهد.. كانت قصة الحسن واتارا تلهمني ،سنوات وهم يسدون امامه المنافذ بتعلات قانونية ولكن يعود كل مرة ليحاول.. وفاز في النهاية بانتخابات كان من المستحيل الفوز فيها امام الرئيس المنتهية ولايته !
ولكن اعترف ان تنقيح القانون الانتخابي نسف قناعاتي في كل تغيير ممكن.. جرّد العملية الانتخابية من أهم ضماناتها وتقريبا الضمانة الوحيدة.. المحكمة الادارية ! فعل ذلك من يفترض انه المشرّع دون تردّد و في ضرب لكل الثوابت القانونية !
يومها كتبت تدوينة ثم سحبتها.. شعرت اني اكثّف الاحباط في لحظة احباط.. اذكر اني ختمتها بجملة غاية في التسليم والاستسلام "انتفت فرضية المباغتة وارتدت الهزيمة ثوب النصر"..لأني رأيت ان المجلس صوّت على نتيجة الانتخابات و صادرها بمزاعم قانونية لفائدة شخص واحد ولم يحترم حق الناخبين في الاختيار ..
والي ساعات قليلة ماضية كان عقلي يضع خيار المقاطعة كخيار وحيد أمام غياب بيئة انتخابية مناسبة للتنافس النزيه وتكافؤ الفرص ! سألني بعض الاصدقاء رأيي وكان الجواب يأتي دائما من عقلي..
لكن في اعماقي كان الصراع وما زال قائما. كان رجع صدى أصوات المتمسكين بالأمل و بالذهاب الى نهاية القصة حتى لو كان السير سيكون على ضوء عود ثقاب سينطفيء بعد عشرين ثانية، يتردد بقوة في قلبي وروحي..
هناك عشرون ثانية من الامل تستحق الجهد والتقدّم خطوات.. في النهاية كل عملية تقدّم هي سير على درب الخلاص! وان تتقدّم الى خسارة مشرفة بكل شجاعة افضل من مراقبة هزيمتك والقبول بتأبيدها.. على الاقل انت حاولت التغيير بكل الادوات والامكانيات المتاحة وقبلت حتى بخيارات لا تقنعك تماما ولكنك حاولت..! بكل صدق ليس من السهل حسم الصراع الداخلي..
وانا من منطلق مبدئي ارفض فكرة الوصاية ومنطق امتلاك الحقيقة.. فمن حقك ان تقاطع.. ومن حقك ان تشارك.. ومن حقك عدم القبول بمن لا يمثلون قناعاتك لمجرد فكرة التغيير.. الجميع على وعي تام بما يحدث وبتفاصيل حياته اليومية وبمواطنته وحريته ومخاوفه.. فقط استمع الى ذلك الصوت الداخلي وهو سيخبرك ماذا تفعل.. لا تبحث عن تيار تسير فيه.. بل كنّ أنت التيار كما يقول ابن عربي.
ولكن انا يقيني ان نتيجة كل هذه الخيارات واحدة.. والسياسة اذا خرجت من الممكن والنتيجة تحولت الى فعل مقاومة ونضال.. و هذا يحوّل الانتخاب من فعل تغيير الى فعل مقاومة ودفاع عن نفس الديمقراطية الاخير المعلّق على الحق في الانتخاب.. على الحق في الاختيار وعدم الرضوخ او القبول بما فُرض فرضا!