أيا هيلانه الجميلة هل تسمعين بكاء الطفل يسوع ! قديسة أنت تمسكين بصولجان ملكة .. فهل عدت لتشعلي شموع الميلاد! ينتحب ابن مريم في المغارة .. فيأتي الصدى ..طفلة تصرخ في الشجاعية " يا بنت عمران انهم يدفنون أحلامنا حيّة .. لا أكفان لنا ولا ملامح ولا قبور ولا شواهد .. نجمع اشلائنا فهل لك أن تقتلعي المسامير من صلبان كنيسة المهد لنعيد ترميم أجساد الموتى" .. يسير الصدى ببطء ، يعبر شرفة بيت ما في غزة ..
هناك تحت انقاض بيت منسي في خان يونس تمدّ امرأة يدها من كفن لتمسح دمعة على وجنة طفلة يتيمة تلتصق بالركام .. المكان بارد والظلام يزحف بخفّة اللصوص ليسرق ما تبقى من ضوء .. أتى الميلاد .. لكن لا أحد هنا ليقرع الاجراس ويضيء الشموع ! لا شموع تؤنس ليل شجرة التنوب في بيت لحم هذه الليلة ..في المهد يبكي الطفل يسوع بصمت ..
وعندما يبكي الأطفال يغضب الله ويشعر الأنبياء بأوجاع البشر وتنحني السماء لتجمع آلام الإنسانية في أكياس ملونة .. لا هدايا تحت شجرة الميلاد الليلة ..فكل الاكياس امتلأت بالآلام وألوان الهدايا تلطّخت بالدم . على الأكفان ما يزال الدم ساخنا ..قانيا ..نقيا .. وفي الأفق يرى مشيعو الجنائز يسوع يجرّ صليبه الخشبي على درب الجلجلة .. لقد نسيت يا ابن مريم بعض الآلام أو وقعت منك ..هلاّ عدت لتحمل الآلام بعيدا عن تلك الدروب المقدسة ..هلاّ أعدت للنبي يحي ابتسامته وهو يصلّي ..هلاّ ساعدته ان يعيد رأسه المقطوعة الى مكانها !
سلام عليه يوم وُلد ويوم يموت ويوم يُبعث حيّا
سلام عليه يوم وُلد ويوم يموت ويوم يُبعث حيّا
سلام عليك يا يحي ..
سلام عليك وانت تسنوّر التاريخ .. سلام عليك واليك وانت تعبر أنفاق الظلام ..سلام اليك وعليك وانت تحمل كفنك ولا تموت ..لن تموت يا يحي الا عندما يبلغ صدى الآذان قبة الصخرة.. ستعيش يا يحي لتحرق رسائلهم الكاذبة أسفل حائط البراق ..لا حائط للبكاء هناك .. ولا رسائل تصل الى الله .. فالله لا يحب رسائل القتلة !
سلام ..
سلام ..
ثم يأتي صوت هادر من مغارة القديس يوسف أسفل كنيسة المهد .. صوت يشبه رائحة البخور في الأقداس .. يصرخ الصوت :
أيها الموت انتظر ! حتى أعدّ حقيبتي : فرشاة أسناني ، وصابوني
يسرع الموت ويخفت الصوت ..ويرحل محمود درويش !
لكن كيف ترحل أيها المحمود دون أن تكتب الفصل الأخير من النصر ..
من سيؤبّن يوسف أبو شعر كيرلي ومن سيضع أكاليل الزهور على تلك القبور البيضاء الجميلة .. من سيجلس أمام تلك الكاميرا الوحيدة التي تركها سامر أبو دقة ليخبرنا كيف أصبحت قلوب العاشقين على شكل مثلث ..كيف أصبحت السبابة علامة نصر أو شهادة .. وكيف تحقق وعد الله من مسافة الصفر !
فوق كومة ركام في مدخل الشجاعية .. يقف معين بسيسو ليلتهم بنهم النفس الأخير من سيجارته..
فوق ركام الوجود ..حيث العدم ..لا شيء يوازي نفس السيجارة الأخيرة الا قبلة وداع هاربة من لقاء أخير.. ينهي معين سيجارته بشكل سريع ويصرخ :
أنا إن سقطت فخذ مكاني يا رفيقي في الكفاح
واحمل سلاحي لا يخفك دمي يسيل من السلاح
في أفق ..اللامكان ولا زمان.. يجيب سميح القاسم صدى الكلمات العالقة على مشانق المذبحة في ساحة الشجاعية العتيقة :
تقدموا
تقدموا
كل سماء فوقكم جهنم
وكل ارض تحتكم جهنم
تقدموا
ولا يتقدّم أحد ..فقط يتراجع الموت خائفا.. و يشتدّ نحيب الطفل في المغارة ..
من أمام المغارة سارت الملكة هيلانه .. كانت تمسك بيد ابنها قسطنطين وهي تبحث عن مسامير العذاب وصلبان الرحمة ..هنا ستبني الكنيسة يا قسطنطين ..فوق المهد ستكون هناك نجمة وزهور وشموع ..لا تخف يا يسوع .. سننتزع المسامير من جسدك .. وسنزرع شقائق النعمان مكان المسامير !
سينهض الأطفال الذين ذبحهم هيرودس غدا صباحا وسيجدون هدايا ملونة أمام المغارة ..
وسيأتي ميلاد جديد .. !