نجيب ميقاتي لم يعد يحتمل. أفاقَ على ضرورة حماية سيادة لبنان. احتجَّ وبقوّة على خبر من مصدر ثالث في مطبوعة فرنسيّة عن أنّ إيران مستعدّة لأن تخوض مفاوضات لوقف النار في لبنان. أمرَ باستدعاء السفير الإيراني. الحكومة السعوديّة لاحظت. «الشرخ الأوسخ» التي تتجاهل أخباره لسنوات، أفردت له للمرّة الأولى نصفَ صفحة من الإعجاب.
وقصّة ميقاتي مع السيادة طويلة. هو طبعاً أصبح وزيراً في لبنان بأمر من النظام السوري بسبب العلاقة المصلحيّة بين الشقيقَيْن ميقاتي والنظام. المديح الذي كان يكيله ميقاتي للنظام كان على مستوى المديح الذي كان السنيورة يكيله.
لكن بعد اغتيال الحريري، ابتعد ميقاتي عن النظام السوري (بالرغم من استمرار علاقة «صداقة» بين طه ميقاتي والنظام) وحاول جاهداً أن يتقرّب من السعوديّة. من المعلوم أنّ كلّ رئيس حكومة جديد في لبنان يتلقّى مبلغاً (بالملايين) من النظامين السعودي والإماراتي (المبلغ لرئيس الحكومة من السعودية يساوي 20 مليون دولار. تتملّكه السعوديّة، لكن فشلت في حالة السنيورة لأن ليس هناك من يتملّك السنيورة إلّا الله وجورج بوش).
عندما أتى المبعوث السعودي لتسليم ميقاتي مبلغ العشرين مليوناً، رفضه ميقاتي بأدب وقال: إنّه لا يحتاج إلى المال لكنْ يطلب مقابله جميلاً. طلب أن يستقبله الملك عندما يزور المملكة لأداء مناسك العمرة. طبعاً، أخلفت السعودية بالوعد ولم يستقبله الملك.
في السنوات الماضية، حاول ميقاتي السيادي إصلاح علاقته بالسعودية ووعده مرّة محمد بن سلمان (في لقاء عابر، حشره فيه ميقاتي وبإيعاز للسعودية من ماكرون) بأن يستقبله، ولكنّه لم يستقبله. في السنوات الماضية، انتظر ميقاتي طويلاً استقبالاً من السفير السعودي لكن لم يحظَ بلقاء، إلّا ذلك اللّقاء قبل أسابيع.
ميقاتي لا يعترض على خرق السيادة اليومي من أميركا، ربّما لأنّ حكومته أتت بتنسيق مع ديفيد هيل. وأَمرُ السعودية بإقصاء وزير لبناني لم يلقَ اعتراضاً منه. وجَولة الملحق العسكري الأميركي في المطار لم تُثِرِ اعتراضه. واللجنة الخماسيّة التي تعمل على اختيار رئيس لم تعكّر حرصه السيادي. لكنّ ميقاتي بالمرصاد لأيّ تحيّة إيرانيّة إلى لبنان.