ان كنت تريد ان يستقيم حالنا وانت على قيد الحياة.. سوف تشقى، اضافة بانك تشهد على نفسك بجهل كبير بطبيعة التحولات الكبرى. سوف تشقى بهذه التراهات اليومية ويصيبك الياس فتتخذ مواقفا ضد حركة التاريخ. اذا لم تعِ باننا نعيش في برزخ لا هو بالليل ولا هو بالنهار، سوف تشقى.
اننا في برزخ مُر ولكن لابد من المرور به: انه لابد من انهيار مُطلق للمطلق: فلا نحن نعيش دولة المِلة فنجتمع حولها، ولا نحن نعيش استعمارا مباشرا فنكون جميعا ضده، ولا نحن نعيش الديكتاتورية فنتوحد ضدها، ولا لدينا مشروع جامع فنتوحد فيه. نحن في البرزخ: تفتت وهذيان وتضارب مصالح، ولكنه ضروري. المرور من برزخ التمزّق والقلق، والصيرورة، والسلبية امر ضروري وايجابي.
عندما تعي، يامولاي/ تي ان ما يحدث هو " عمل السالب"* لن تشقى، عندما تتخلص من رغبة الفرد الفاني في اكل ثمرة التاريخ التي لا ينضجها الا عمل السلبي، سوف تقتنع بان عليك مهمة المشاركة في انضاجها للنوع الانساني الباقي بعدك.
عندما تعرف ان ما يحدث هو ان التاريخ بصدد ابتلاع العالم القديم في ثقبه الاسود، بشخوصه وافكاره وتراهاته، وانه بصدد انضاج سديم اخر سوف يكون طينة المحدثين: افكار جديدة، مشتركات جديدة، روابط جديدة، حينها تكون من الصابرين. منذ انهيار الدولة الفاطمية وال homo tunisianus يعيش بلا مشروع. من يومها وهو يعيش " ضد" وليس " من اجل".
هؤلاء ضروريين حتى يولد نقيضهم: جيل عقلاني يقف على مشتركات متفق عليها، خال من الهواجس والتهويمات، يحتكم لقيم انضجها التاريخ خلال عبوره لبرزخ العواصف والاشباح. متى؟ بعد ان تموت، اما الان فما لك الا واحدة من ثلاث: إما ان تجعل منك مَضحكة فتلعن التاريخ، او ان تجعل منك مسخرة فترتد على اعقابك- ولن تُعجِزَ التاريخ ان يتقدم- او ان تضع حجرا واحدا في بناية سيسكنها غيرك/ انت، الفرد النوع، الذي هو انت، ولكن بوصفك تنتمي الي الجوهر الانساني.
* عمل السلبي : عبارة لهيجل يقصد بها ضرورة الفترات الحالكة في ظهور العنصر الايجابي.