قال تعالى "وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ". ناقضة الغزل هي امراة خرقاء من مكة يقال ان اسمها ريطة بنت عمرو، كانت تغزل الصوف من الصباح الي المساء ثم تنقض ما غزلت.، اتخذها القران مثلا للذين ينقضون عهودهم.
لقد بنت النهضة، منذ كان اسمها "الاتجاه الاسلامي" كل خطابها على عهود بالديمقراطية وعلى التداول السلمي على السلطة وبنت كل نقدها الذي وجهته لبورقيبة وبن علي ولكل الانظمة العربية على التشنيع بالحكم مدى الحياة وعلى رفض التلاعب بالدساتير وتنقيحها للتمديد الي الزعماء والقادة والرؤساء. لقد بنت كل خطابها المؤيد للثورات العربية على رفضها للزعامات الابدية وعلى الحق في التداول وعلى ضرورة تعويض الفرد بالمؤسسة.
كل ذلك كانت عهودا سوف تنقضها النهضة إذا ما تسلّطت مجموعة منها على قانونها الداخلي ومددت لرئيسها الحالي. لن يصدقكم أحد بعدها ولو تعلقتم بأستار الكعبة، ولن تنطلي على أحد التبريرات والحذلقات اللفظية فقد مضغتها الانظمة العربية قبلكم وحفظتها الشعوب.
لن تكونوا في موقع يسمح لكم بان تتمايزوا على من كانوا يبررون لبن علي او القذافي او بشار: كلهم حكموا بنفس المبررات: بعدنا الطوفان، والانقسام والضياع. ستقدمون اسوء صورة تؤكد ان الديمقراطية في تونس مجرد طِلاء خارجي، اما الروح فلا تزال استبدادية. لن يكون امامكم اي مُسوِغ اخلاقي يجعلكم تُعارضون اي رئيس تونسي أحمق يريد ان يغير الدستور ليصبح رئيسا مدى الحياة.
لا نستطيع ان نأمن لكم ابدا متى اوصلتم رئيسا لسدة الحكم: فمن يضمن لنا انكم لن تغيروا الدستور ليصبح رئيسا مدى الحياة؟ ومثلما هناك اليوم بطانة تتمعش من قربها للغنوشي وتُزين له التمديد وتُبرر ذلك بنفس الحجج التي برر بها التجمعيون لبن علي، ستكون هناك بطانة تمعشت من قربها لمواقع القرار في الدولة وتريد تأبيد الرئيس وسوف تعيد علينا نفس الكلام الذي دفع الشعب التونسي من دمائه من اجل التخلص منه.
ليس هناك ديمقراطية بدون احزاب ديمقراطية، ولا اطمئنان على التداول على السلطة والحال ان هناك من يريد ان يؤبد نفسه على راس حزبه، وهناك من يبرر له ويُزين له ذلك.
ما يحدث داخل الاحزاب ليس شانا داخليا يخص هذه الاحزاب، انه شان وطني: هذه الاحزاب تشارك في العملية السياسية وفي السلطة، وستكون حيواتنا ومصائرنا رهينة بما يحدث داخلها وبطريقة ادارة شانها الداخلي، فحزب غير ديمقراطي سوف ينتج لنا مناخا غير ديمقراطي.
على السيد الغنوشي وبطانته ان لا يلوثوا لنا تجربتنا الديمقراطية التي عانينا الويلات من اجل انجاحها. عليه ان لا يعيد فتح باب اغلقناه بشق الانفس: لا بديل عن الزعيم والقائد والثائر والمجاهد الاكبر والمنقذ. نريد ان نستبدل هؤلاء بالمؤسسة التي تبقى بعد الفرد، وبالقانون الذي يضمن الاستمرار. فماذا لو مات الزعيم؟
كان عليه ان يُسلِّم مفاتيح العلاقات الخارجية وخزائن التمويل واعصاب الحركة الي المؤسسة. ساعدوا الرجل حتى يخرج من باب واسع.