في نوبة اخرى من نوبات الهرطقة السياسية والقانونية، اقدمت سلطة الحاكم بأمره، ودوما في الهزيع الاخير من الليل، على اصدار فارامان تُعفي فيه عددا من السادة القضاة.
ان هذا السلوك الانفعالي يعكسُ حالة الحيرة والانسداد التي وصلها الانقلاب، وتجلّت في فشله الذريع اقتصاديا، وضيق حيلته سياسيا وعجزه عن فرض " حواره" داخليا، وفي عُزلته من كل الجهات خارجيا.
ان عزل عدد من السادة القضاة على طريقة الامراء والسلاطين " ايها القاضي بِقُم قد عزلناك فقُم"، وبدون المرور بالمحاكم التونسية، مؤشّر خطير على خروج سلطة القوة والاكراه من حالة الهلوسة الي حالة العربدة التي تهدف الي إحداث الرّهبة والخوف ليس فقط داخل الجسم القضائي من اجل توظيفه كعصا لتصفية المعارضين، وانما ايضا لترهيب كل القوى السياسية والمدنية والمنظمات المهنية ، حتى ينحني الجميع لسلطة الامر الواقع.
كل الشعب التونسي وكل قواه الحية الوقوف ضد هذا الانحراف الخطير بالسلطة الذي يفجّرُ الدولة من الداخل ويجعلُها تَذُوبُ في الفرد الذي يدعي النّطق باسم الشعب ويقوم، في وقت واحد، بدور القائد والمُرشِد، والمُشرّع والحاكم، والقاضي والمُنفّذ.