الهادي التيمومي: "اللّي سمّاك غناك"
مازال هذا الكتاب يملأُ الدنيا ويشغل الناس وتُقام له المنابر وتُشهرِهُ الصفحات، ومازلت على ريبتي من الكُتّاب الذين يفرح بهم الاعلام.. الي ان عثرتُ فيه مرة ومددتُ يدي وفتحته، فابهرني ما رايتُ : في الصفحة 9 يقول المؤرخ " لقد كان مؤلف فينومينولوجيا الروح " لهيجل خير مُلهم لي في هذه الدراسة".. فقلت في نفسي هذا الكتاب لا يكون اذا الا سماويا، واشتريته.
ينطلق المؤرخ من تحديد المفاهيم، واولها الثقافة، فيرفض التعريف المعاصر لها والذي يقول بتساوي الثقافات، ويعتبر المؤرخ انه ما من شك في ان هذه الفكرة " لا يهامها [الشعوب الشرقية]بان لا فائدة من النسج على المنوال الغربي"(ص 21).
هل يرى المؤرخ ان الثقافات غير متساوية؟ نعم، في الصفحة 30 يعطينا رايه" ان الراي عندي... اثبت التاريخ ان الثقافة كلما انفتحت على الثقافات الاخرى وخاصة على الثقافات الارقى منها.."هل يتبنى المؤرخ المفهوم الثقافي الذي برر الاستعمار؟ الصفحة 34 تؤكد ذلك.
طيب، ماهي تونس وكيف اصبح التونسي تونسيا؟
اولا، " بقيت حدود تونس هي نفسها تقريبا منذ القديم.." ولا نعرف هل يصح هذا على تونس في العصر القرطاجي التي تمتد من سرت الي اسبانيا ام في القرن 17 حيث امتدت ايالة طرابلس لتشمل كل الجنوب التونسي وتصل الي سوسة والحمامات، ام في العهد الحفصي .. هل ان " تونس" تقع دائما بين الكاف- برج الخضراء- راس الجدير؟
ثم يُعدد المؤرخ " مُميزات تونس": تقع على البحر- دخول الاسلام- المذهب المالكي.. وهي تصح ايضا على ليبيا والجزاير والمغرب..
طيب، بماذا يتصفُ " التونسي"؟
نعرفه بالتحذلق والكلام الجميل والفُضول وحب التعلم والاقبال على الحياة.. وهنا يُفاجأ القارئ " فالتونسي مُعجب في قرارة نفسه بالجريدي"ص50. التونسي ليس هو الجريدي اذن. ويتصف التونسي " بالاعتدال والوسطية" " عكس الوحشية التي طبعت الشرق العربي في الازمنة المعاصرة" ثم تذكر المؤرخ داعش ونسبة التوانسة فيها فلم يجد من تفسير غير " هم شباب متنكرون لوطنهم تحت تأثير الظلامية" ص61
وآخر مناقب التونسي انه " لم يؤمن ابدا بدونية المرأة"ص71.. بعد عشر صفحات بالضبط، وفي معرض مثالب التونسي نقرا الجملة القطعية التالية" ولا يزال التونسي يحمل نظرة دونية للمرأة"ص81
ثم يغوص مؤرخنا في الانثروبولوجيا السياسية ويطرح سؤالا مُحيّرا: لماذا انتج الشرق الشعراء بينما انتجت تونس النُّقّاد ( ابن شرف وابن رشيق).
يجيب المؤرخ : لان التونسي عقليته تجارية: الناقد مثل التاجر لا ينتج شيئا وانما يشتغل على مادة مُعطاة ليصنع شهرته. لم يسأل المؤرخ نفسه: ولكن المتنبي وابونواس والمعري وابو تمام وُلدوا وماتوا على طريق الحرير؟
كل هذا والمؤرخ يُلِحّ في المقدمة على الموضوعية والعلمية ونبذ الجوهرانية، فكتب بخفّة واستخفاف كبير للقارئ و جوهَر " التونسي" و " تونس" بشكل يثير الشفقة.
طيب، اين " فينومينالوجيا الروح" واين هيجل في كل الكتاب؟ ولا شِئ. كيف صار التونسيون تونسيين؟ لا اجابة.
ورقات في السجال السياسي والايديولوجي، ولا تخلو ورقة من " صكّه" تجاه غريم بعينه. كل الكتاب " رد على من يريدون تغيير طبيعة المجتمع التونسي"ص92 ( يقول بطبيعة المجتمعات ويرفض الجوهرانية). ولكي يستدل على الطبيعة السرمدية لهوية التونسي يختم الفصل الثاني بوثيقة تاريخية هامة تُثبت ذلك" ونورد مقالا بالعامية ورد في شبكة الفيسبوك 17 ماي 2013 " احنا شعب البريك بالعظمة في رمضان، وفي العيد الكبير ناكلوا الكسكسي، الشعب الي كلا البسيسة وفي صغروا لعب بالبيسة.."ص 92-93.
كتاب في السجال والاسترزاق.