حاولت قدر الاماكن أن ألاحق الأخبار الميدانية المتسارعة والتقارير الاعلامية ، ثم رصد اهم تقارير مراكز الدراسات الاسرائيلية ذات الوزن في القرار الاسرائيلي بخصوص "طوفان الأقصى" ، وتبين لي ان العقل الاسرائيلي يعمل حاليا على النحو التالي :
1- ان البيئة الدولية تبدو أقرب لوجهة النظر الاسرائيلية في تحميل المقاومة الفلسطينية سبب الأزمة، وهو ما يعطي غطاء كافيا لرد فعل اسرائيلي يتجاوز حدود الفعل الفلسطيني بقدر كبير.
2- نظرا لقسوة الصدمة التي اصابت المجتمع الاسرائيلي والتي فاقت صدمة حرب 1973، فان من الضروري عدم وضع اهداف مبالغ فيها ،وإن الأهداف وطريقة العمل التي يتم اختيارها لابد أن تخضع للفحص الدقيق من منظور واقعي فيما يتصل بالقدرة على تنفيذها في ظل النظام الدولي المعقد، بخاصة في حالة وقوع صراع عسكري متعدد الجبهات. إن دفع الجيش الإسرائيلي نحو أهداف غير واضحة يصعب تحقيقها هي تجربة لا يجوز ان تتكرر ،وقد عرفت اسرائيل مثل هذه التجارب ، كما كان الحال في حرب لبنان الثانية، أو استخدام الجيش الاسرائيلي بطريقة مرهقة ، كما كان الحال في عملية السور الواقي، لأن ذلك لن يؤدي إلا إلى تقويض ثقة الجمهور الاسرائيلي بالنظام المسؤول عن أمنه.
3- ان بقاء ردة الفعل الشعبية في الضفة الغربية في حدودها المتواضعة حتى الآن ،هو امر لا بد من الاعتراف بأنه تم بفضل السلطة الامنية واجهزة التنسيق الامني الفلسطينية.
4- من الضروري ترويج وتشجيع المقارنة بين طوفان الاقصى وبين حرب اكتوبر ، وزاوية التشجيع هذه يجب ان تنصب على اعتبار ما جرى خطوة للتمهيد لتفاوض يقود الى تسوية تحمل خصائص تسوية السادات مع بيغن، وهو أمر يتردد في بعض زوايا الشارع العربي التائه ، وبعض الاعلام العربي المناهض للمقاومة الفلسطينية ، لكن ذلك يخدش التعاطف الشعبي العربي مع المقاومة الفلسطينية…
5- خلافا لما يعتقد البعض بان ما جرى سيعطل التطبيع العربي مع اسرائيل، فان بعض الأنظمة العربية وبخاصة في الخليج العربي أكثر توقا من التوق الاسرائيلي لاجتثاث حماس ، ويمكن لها ان تساند بطرق خفية رد الفعل الاسرائيلي على حماس، وعليه فان القضاء على حماس او اضعافها الى حد بعيد سيمهد الطريق للتطبيع بشكل اوسع وبغطاء من السلطة الفلسطينية، ولكي يتم ذلك فان السلطات العربية المطبعة ستعمل على تبني استراتيجية تقوم على القاعدة التالية: دع الشارع يضج غضبا على اسرائيل ، ودعنا نعمل بهدوء مع اسرائيل خلف ستار ضجيج الشارع العربي، ولعل الرغبة في دوائر التطبيع العربي لاجتثاث المقاومة المحسوبة على التيارات الاسلامية تخفي خلفها رغبة من بعض النظم لا سيما في الخليج من للتخلص من التيار الاسلامي المشكك في شرعية هذه الانظمة ويزاحمها على شوارعها السياسية.
6- ان الدول العربية المطبعة حريصة الى ابعد الحدود على عدم مشاركة حزب الله او ايران او الحوثيين او الحشد الشعبي العراقي في اي جهد عسكري او لوجستي مع المقاومة الفلسطينية، لكن قيام اسرائيل بحملة عسكرية برية في غزة قد يفتح المجال امام ايران وأذرعها المسلحة للمشاركة، وهو ما لا تريده انظمة التطبيع لكي لا تزداد صورة ايران بهاءا في زوايا الشارع العربي حسب ما تراه التقديرات الاسرائيلية.
7- يجب ان تبدأ الولايات المتحدة في الضغط على الدول العربية وبخاصة قطر لوقف الدعم المالي لحماس ، فإذا كان الدعم القطري سابقا هو لتوفير فرصة لنجاح دبلوماسية الإنابة(Proxy Diplomacy) الموكلة لها منذ منتصف التسعينات، فان البيئة الاقليمية الآن تفرض تغييرا لقواعد اللعبة…
8- على الدول العربية المطبعة ان تعمل بكل جهودها وبقدر من الذكاء على ايجاد تنظيمات بديلة للمقاومة في غزة، ويجب ان يكون للسعودية دور مركزي في هذا الجهد لضمان بيئة مواتية لمواصلة تطوير التطبيع بين اسرائيل والسعودية كمقدمة للتحالف ضد ايران لاحقا.
9- ان قراءة خطاب الرئيس الامريكي بايدن والمفعم بالتعاطف الشديد مع اسرائيل من ناحية وارساله سفنا حربية للمنطقة من ناحية اخرى ،الى جانب تحذير القوى المساندة للمقاومة الفلسطينية من القيام باي تدخل يخل بالوضع القائم يجب ان لا يخفي ان بين سطوره طلبات من اسرائيل : الأول هو الايحاء بان الاجتياح البري قد يعرض المدنيين الى مذابح تؤثر على صورة النظم "الديمقراطية" في العالم ، كما ان منع المساعدات المدنية عن قطاع غزة لا يتسق مع توجهات النظم "الديمقراطية"، لكن كل ذلك يشير الى ان العلاقة الامريكية الاسرائيلية مبنية على اسس استراتيجية لا تضعفها خلافات الرأي التكتيكية كما جرى في الاشهر السابقة.
10- تميل دوائر التفكير الاستراتيجي الاسرائيلي فيما يتعلق بحزب الله(المرشح الاول لاحتمال المشاركة في المعركة اضافة الى انصار الله اليمنيين )، الى ثلاث خيارات هي:
1. مواصلة الخطوات الرمزية لإظهار التضامن مع حماس، على غرار إطلاق النار على بعض المواقع الاسرائيلية في منطقة الحدود الجنوبية للبنان كما حدث في اليوم الثاني من بدء المعركة (8 تشرين الأول/أكتوبر) أو مساندة ضمنية لإطلاق النار المتقطع من قبل الفصائل الفلسطينية في لبنان كما حدث في اليوم الثالث من المعركة(9 تشرين الأول/أكتوبر)، او استهداف بعض الدوريات الاسرائيلية كما حدث أمس الاربعاء.
2. تصعيد في طبيعة ونطاق النشاط على طول الحدود إلى حد الدخول في عدة أيام من القتال ضد الجيش الإسرائيلي، وهو امر يعمل فيه حزب الله على استفزاز القوات الاسرائيلية لتقوم برد فعل كاف لاعتباره مبررا للدخول المباشر من حزب الله في المعركة.
3. الانضمام الكامل إلى حرب طويلة بكل قوته وموارده، وهو الخيار الاكثر صعوبة في ظل الشرخ العميق في البنية السياسية والاجتماعية اللبنانية الى جانب حرص الطرف الرسمي العربي الى عدم اعطاء حزب الله وايران فرصة تعميق شعبيتهم في العالم العربي والتي لا يجوز انكارها .
ويبدو في هذه المرحلة، أن من الصعب تقييم ما إذا كان حزب الله مقتنعا بالمساهمة الرمزية ، ولكن يبدو أنه مع استمرار الحرب في غزة ، تزداد احتمالية اندلاع مواجهة محدودة أو واسعة النطاق في الشمال ، إما بمبادرة من أحد الطرفين أو نتيجة تدهور غير مقصود.
11- خلاصة الامر من منظور اسرائيلي:
أ- الحرب البرية الواسعة في غزة قد تحمل امكانية خسائر بشرية كبيرة لإسرائيل اضافة لما خسرته حتى الآن.
ب- ان التدمير للمرافق المدنية والخسائر البشرية المدنية قد تلقي بظلالها على التعاطف الدولي مع اسرائيل.
ت- ان موضوع فتح ممرات للمساعدات المدنية لغزة (مع مطالبة اسرائيلية بمراقبة هذه المساعدات) ستربطه اسرائيل بموضوع الاسرى الاسرائيليين وبقدر يفصل هذا الجانب عن موضوع الاسرى الفلسطينيين ، اي تكتيك التجزئة في كل قضية.
ث- اخيرا متغير البجعة السوداء، وهو امر لا يجوز استبعاده وبخاصة في منطقة كمنطقة الشرق الاوسط.