رغم أن مصر الرسمية "نؤكد الرسمية" تحاول الظهور كطرف حريص على "مكانة القضية الفلسطينية" في سياستها الدولية، إلا ان الضرورة تقتضي التنبه لما يلي عند احتدام المعركة التفاوضية بين اطراف الصراع :
1- ان مصر اقرب كثيرا لسياسات سلطة التنسيق الامني منها لتوجهات حركات المقاومة الفلسطينية، بل وكثيرا ما مارست الضغط على حركة المقاومة للسماح بتواجد العناصر الامنية التابعة للسلطة في غزة وبخاصة على المعابر وفي بعض الدوائر الامنية، لذا فمصر حريصة على نهش درجة تحكم المقاومة في الوضع الرسمي لقطاع غزة.
2- ان مصر لا تنظر الى حركة المقاومة الاسلامية إلا كامتداد "لتنظيم الاخوان المسلمين" ، وحكمت بالسجن على عدد غير قليل من قيادات هذا التنظيم بحجة "الاتصال بحماس او بحزب الله".، لذا فان مصر ليست حريصة على "نجاة" المقاومة من الموقف المعقد الذي تواجهه الآن، لان نجاح المقاومة يشكل عامل تغذية لصورة الحركات الاسلامية جماهيريا وهو امر لا تريده مصر ولا الدول العربية الاخرى بخاصة دول الخليج.
3- تعيش مصر أزمة اقتصادية خانقة ، فهي مثقلة بدين خارجي وداخلي قيمته حوالي 165 مليار دولار، وهو ما يعني زيادة تصل الى حوالي 270% خلال فترة حكم الرئيس السيسي، ويمكن ان تقع مصر تحت اغراءات الاعفاءات من الديون او نسبة منها او اغراءات اقتصادية متنوعة مقابل مواقف سياسية كما جرى في واقعتين سابقتين هما في توقيع اتفاقية كامب ديفيد وفي المشاركة في الحرب على العراق، وهو امر قد يتكرر في الوضع الحالي بخاصة امام عروض أقل من تقبل التهجير الفلسطيني لسيناء (وهو ما نستبعد قبول مصر به لاسباب كثيرة) ولكن مقابل التعاون مع اسرائيل والقوى الغربية لمزيد من التضييق المموه على مساحة الحركة للمقاومة الفلسطينية.
4- ان معبر رفح ومنذ 2005 الى 2021 تعرض لعمليات غلق وفتح متكرر، لكن مراقبة السياسة المصرية تشير الى ان التضييق على شريان الحياة الاقتصادية في غزة كان نهجا في جميع مراحل السياسة المصرية بعد كامب ديفيد عام 1978، بل وصل الامر الى بناء جدران حديدية تحت الارض لإعاقة تهريب البضائع لغزة عبر الانفاق ،وتم ربط هذه الجدران بخراطيم وانابيب لتدفق الماء في انفاق الجدران هذه لجعل انفاق التهريب غير صالحة للاستعمال، والغريب ان اسرائيل سعت الى نقل معبر البضائع من رفح الى كرم ابوسالم وهي النقطة التي تقع على المثلث الجنوبي الذي يربط مصر وغزة بفلسطين المحتلة، لكي تصبح درجة التحكم الاسرائيلي في عبور البضائع- وهو الامر الاهم- بيد اسرائيل تماما، الى جانب السعي لتمثيل سلطة التنسيق الامني في معبر رفح او اعادة المراقبين الاوروبيين.
5- رغم ان معبر رفح جزء من السيادة المصرية التامة وعلى ارضها ، إلا ان قرار فتحه وغلقه تتقاسمه مصر مع اسرائيل من الناحية العملية، ولا تثير مصر موضوع سيادتها على المعبر او تهدد باتخاذ اي اجراء في " حالة ضربه " من قبل اسرائيل رغم انه جزء من التراب المصري.
ماذا يعني ذلك كله؟
ان الاتجاه العام لحركة الواقع يشير الى تراكم الضغوط على المقاومة رغم أنها تبدي صمودا منقطع النظير ،وإذا واصل محور المقاومة ضربات ما يبدو لدى البعض بانه من باب "رفع العتب" ضد اسرائيل ،فان الامور تسير نحو أوضاع قاسية واعتقد ان مصداقية محور المقاومة بخاصة لإيران وحزب الله ستكون موضع مناقشة بين جمهوره بخاصة أن احتمالات التحول نحو حرب اقليمية ما زال أضعف لكنه ممكن، وربما تكون روسيا من المحبذين لوقوعها لكي يأخذ بوتين "استراحة محارب" في اوكرانيا ويرتب اموره هناك بعيدا عن الاضواء.