كنت وما زلت أكثر الناس دعوة لاحترام إرادة شعوبنا ، فحيث تفوز أية حركة أو حزب في الانتخابات يجب تجسيد ذلك في النظام السياسي دون أ ي تلاعب او صفقات ظلام ، ومن هذا المنطلق فاني كنت وما زلت من المطالبين بحق الاخوان في السلطة أينما فازوا رغم اني لا اتفق معهم في أغلب توجهاتهم.
لكني أطلب من هذه الحركة الشعبية –كمواطن عادي هامشي- أن تتسق هذه الحركة في مواقفها لكي لا تبدو في بعض الاحيان بأن " قلوبها مع علي وسيوفها مع معاوية"..ولن اغوص في ملابسات تحالفاتهم التاريخية (التي تحولت الى عداء سافر هذه الايام معهم) ولا في مواقفهم الملتبسة والتي قد افسرها احيانا بأنها سوء تقدير، ولكني سأقف عند علاقاتهم بأردوغان الذي قلت سابقا أنه رجل يعمل لصالح بلده من خلال توظيف براغماتي للنزعة الدينية :
1- لماذا يطالب الاخوان المسلمين الحكام العرب بقطع العلاقات مع اسرائيل (وهو مطلب حق) لكنهم لا يضغطون على أردوغان لقطع هذه العلاقة بخاصة ان راس الحربة في هذه المواجهة " طوفان الاقصى" هم نفر من الاخوان المسلمين الأطهار ، ويكفي ان اشير الى الفارق بين اردوغان والقادة العرب:
أ- ان الاخوان يعتبرون الزعماء العرب خصوما لهم، وأردوغان حليف لهم، فمن باب أولى ان يتسق حليفهم مع توجهاتهم ومطالبهم ، ومن الطبيعي ان يتناقضوا مع خصومهم، فلماذا لا تطلبون من حليفكم ما تطلبوه من خصمكم؟ وهل يكفي ان يفتح لكم غرفة صغيرة لتحيلوها الى استوديو لتتحرجوا عن تقديم مطالبكم بوقف علاقاته تماما وأبديا لا ظرفيا مع اسرائيل ؟
ب- ان اردوغان هو الشريك التجاري الاول لاسرائيل في الشرق الاوسط الكبير، وهو الشريك السياحي الاول لها، وهو صاحب 12 اتفاقية امنية معها( ولدي وثائق ذلك كلها) ، فالمسافة الفاصلة سياسيا واقتصاديا وامنيا بينه وبين اسرائيل اقصر كثيرا من المسافة بين خصومكم واسرائيل، ويكفي ان اعطي مثالا واحدا: حجم صادرات اسرائيل الى مصر العام الماضي حوالي 126 مليون دولار ، لكن صادراتها لتركيا 2،1 مليار ، أي حوالي 17 ضعفا، فمن الاكثر قدرة على الايذاء لاسرائيل في هذه الحالة وبالتالي الاكثر تأثيرا في ضغطه ؟ نعم على مصر والاردن وبقية المطبعين أن يوقفوا العلاقات ، ولكن لماذا نصمت على اردوغان وهو الاكثر اهمية؟
ت- ان الصورة التي رسمها أردوغان لنفسه في العقل الجمعي للاخوان المسلمين العرب هي صورة تعبر عن "مخزون ثقافة الشهامة " في العقل العربي،"، وهو ما تجسد في غضبته على السلوك الاسرائيلي مع سفينة المساعدات لغزة في عام 2010، او انتفاضه المسرحي على شيمون بيريز في ملتقى دافوس 2015 وانسحابه من الجلسة الحوارية، لكن الحبل السري للعلاقة الاسرائيلية التركية بقي متواصلا ومتطورا رغم انقطاعات تكتيكية ، فالمسار العام للعلاقة يتطور بغض النظر عن " لحظات نزق " عابرة.
2- كثير من أدبيات الاخوان المسلمين( باستثناء شريحة معينة) لا تتورع عن التشكيك "سيء النية" بمحور المقاومة ، وبخاصة ان لهم جمهورهم بين العامة العرب، ورغم ان المقاومة الفلسطينية تقول جهارا نهارا وعلى لسان اهم قادة هذه المقاومة ان أطراف محور المقاومة متقدمين جدا في دعمهم للمقاومة على غيرهم ،ويكفي النظر في مجريات معركة طوفان الأقصى، فأية مقارنة منصفة بين فعل محور المقاومة وبين فعل غيرهم سيكون لصالح هذا المحور بغض النظر عن تواضع هذا الفعل حتى الآن ، لكن المقارنة لصالحه قياسا لما يفعله الآخرون المتشبثين بسفراء اسرائيل وعلاقاتهم ومن ضمنهم اردوغان..لكن تقييم ونقد مواقف اردوغان من جانب الاخوان تبقى في "القلوب " اي في المستوى الثالث من الاستطاعة.
3- الصمت على عضوية تركيا في الناتو، واتمنى قراءة ميثاق هذا الحلف لمعرفة ما معنى ان تكون عضوا في الناتو، فلماذا لا يكون ذلك موضع نقد له…
اؤكد احترامي التام لحقكم في الوجود السياسي الحر ولكن النزيه ، ولعل الامام الشافعي يعبر عن موقفكم:
وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ
وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا
فطالبوه بسحب سفيره، وقطع علاقاته التجارية والسياحية ، والغاء اتفاقياته الامنية ..على الاقل كما تطالبوا الآخرين، اما التشبث بقاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" فهي حجة الانظمة العربية التي تنتقدونها…وتصمتون على اردوغان.