تشير المعطيات السياسية والاقتصادية والعسكرية في المنطقة الى ان اسرائيل قد استقرت عند خطة استراتيجية عمادها الرئيسي هو " فصل الساحات" في محور المقاومة، ولعل المرحلة الانتقالية في السلطة السياسية الامريكية خلال الشهرين القادمين توفر ظرفا مناسبا للاستراتيجية الاسرائيلية، فالقرار الامريكي شبه متارجح حاليا بفعل ضغوط الانتخابات الرئاسية القادمة.، وتقوم هذا الاستراتيجية الاسرائيلية على النحو التالي:
أولا: التركيز التام على الجبهة اللبنانية مستفيدة من هول الصدمة التي اصابت هيئة القرار في المقاومة اللبنانية، ووضع هذه الجبهة امام ضغوط متلاحقة من خلال:
أ- الضغط العسكري على الجبهة الداخلية اللبنانية وبخاصة المناطق ذات الصلة بالمقاومة على غرار ما يجري في غزة والتركيز على المدنيين .
ب- استمرار الضغط في لبنان للتهجير من الجنوب الى الشمال وتشكيل حالة ضغط سكاني غير مسبوق على الحكومة اللبنانية.
ت- ضرب المرافق المدنية لجعل الحياة في المناطق المستهدفة غير ممكنة.
ث- تحريك القوى اللبنانية المعادية للمقاومة بهدف ارباك المقاومة وخلخلة جبهتها الداخلية.
ثانيا: ما أن تنضج المرحلة الأولى حتى يتم اقتراح وقف اطلاق النار سواء بالتفاوض مع الولايات المتحدة او عبر مجلس الامن، وهنا يتم الاتفاق على وقف اطلاق النار على الجبهة اللبنانية بمعزل عن الوضع القائم في قطاع غزة، وهو ما يعني فصل الساحة الاولى والاكثر اهمية، ناهيك عن كون ذلك تراجعا من المقاومة اللبنانية عن ما تعهد به نصر الله بل وما ورد في بيان النعي له.
ثالثا: ستعمل اسرائيل على استغلال هذا الوضع لصب كل جهودها على قطاع غزة لتضعه امام امرين احلاهما مر، اما الاستسلام واما استمرار القتال ولكن دون سند لبناني ، ووضع المقاومة تحت مكبس اسرائيل والولايات المتحدة ومصر وقطر وتسلل اصابع دول التطبيع العربي تمهيدا لفتح المجال امام سلطة بديلة في غزة تكون نسخة من سلطة التنسيق الامني في الضفة الغربية.
رابعا: تكثيف الولايات المتحدة تواجدها في البحر الاحمر بهدف الحد من فعالية ضربات انصار الله .
خامسا : مساومات مع الحكومة العراقية بوقف هجمات الحشد الشعبي على اسرائيل مقابل التسريع في تطبيق اتفاقيات ترتيب العلاقة بين العراق والقوات الامريكية المتواجدة على اراضيها بتقليصها او حتى سحبها.
سادسا: استراتيجية الغواية: اعتقد ان ما طرحه ولي العهد السعودي عن تحالف دولي لإقامة دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل هو من باب الغواية لمحور المقاومة للمراهنة على انشاء دولة فلسطينية، وهو ما قد يخلق "وهما" للقيادات الفلسطينية او بعضها ،فإذا ما تفكك المحور فلن يكون للفلسطينيين اي داعم لتجسيد تلك الغواية، ونعود بما عاد به الأوسلويون، ويجب ان لا ننسى ان اهم سمات شخصية نيتنياهو التي درستها جيدا هي "الكذب" والتي اشتكى منها رؤساء اجانب وقيادات سياسية اسرائيلية بل وزوجاته.
المواجهة:
لمواجهة السيناريو السابق لا بد من اسراع حزب الله في تشكيل قيادته واعادة ترتيب صفوفه، لكن ذلك يحتاج لأمر آخر وهو الوضوح التام في الموقف الإيراني للمرحلة القادمة، واعتقد ان ايران امام موقف لم يعد بحاجة للتهديد والوعيد، لان السيناريو السابق يعني باختصار تفكك المحور الذي ساهمت ايران دون شك في بنائه وتدعيمه، ويبدو أن اسرائيل تضع ايران امام خيارين اسوأ من بعضهما:
1- إما ان تقبل ايران تفكيك الساحات عن بعضها،وهو ما يستشعره الاسرائيليون نظرا لتحاشي ايران اية مواجهة مع الولايات المتحدة.
2- وإما ان تقبل ايران التحدي للحفاظ على وحدة محورها وتتحمل اوزار المواجهة مع الولايات المتحدة، وسيكون ذلك تحقيقا لما يسعى له نيتنياهو.
اعتقد ان الشهور القليلة القادمة ستحدد شكل المنطقة لسنوات قادمة، وعلى المحور وايران ان يضعوا استراتيجية مواجهة واضحة قبل فوات الأوان، ذلك هو التحدي الكبير.