تتمحور اغلب المناقشات السياسية في اللحظة الراهنة في المنطقة العربية والعالم حول تساؤلات ابرزها :
أ- اين يتجه المشهد في قطاع غزة ؟
ب- هل ستتسع دائرة المواجهة للمستوى الاقليمي الاوسع ؟ وهل هناك مواجهة ايرانية / امريكية اسرائيلية ؟
ث- هل هناك احتمالات لتغير الموقف العربي كليا او جزئيا مما يدور في المنطقة؟
أولا: المشهد في غزة:
لا أعتقد ان هناك أي استراتيجي عسكري يمكنه أن يطلب من المقاومة الفلسطينية أداء أفضل مما جرى ويجري ، لكن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، فالضغط غير المسبوق على "مجتمع المقاومة" في القطاع بشكل رئيسي والضفة بشكل فرعي يستهدف انهيار البناء الاجتماعي وفتح الفرصة لفوضى عارمة أملا في ايجاد هوة بين المجتمع والمقاومة من ناحية ،وتعميق فكرة ان لا جدوى من المقاومة كمقدمة ليأس مطبق.
اما من زاوية المقاومة ، فان المدد اللوجستي لها لا يتوازى مع متطلبات المعركة ، ويبدو ان الطرف الاسرائيلي يراهن على الشح المتزايد للمدد اللوجستي والارهاق النفسي بسبب قلق المقاتل على ذويه الذين قد لا يكون على صلة بهم بسبب قطع الجزء الاكبر من وسائل التواصل ، مع الاخذ في الاعتبار ان القوات الاسرائيلية تتغلغل بشكل متواصل ولو بثمن كبير في جغرافيا القطاع بهدف اعادة توزيع سكانه بالكيفية التي تعتقد انه يؤمن لها اكبر قدر من الامن من خلال محاولات خلق مناطق عازلة وتكديس سكاني لتصل الكثافة السكانية الى اكثر من 30 الف /كم2، مع ابقاء القصف الجوي متواصلا في المناطق التي يتكدس فيها السكان.
ومع أن التعثر يرافق التغلغل الاسرائيلي ،إلا ان الرهان الاسرائيلي واقع تحت غواية ما يلي:
1- الاطمئنان الى ان رد الفعل العربي لن يتجاوز حدود الادانة ومفردات الشفقة على غزة.
2- ان المواقف الامريكية لن تتجاوز حدود العتب على بعض السلوكيات الاسرائيلية دون ان يرافق ذلك اي اجراء ضدها.
3- اعتقاد اسرائيل ان لديها القدرة على تحمل اعباء "النهش" من لبنان واليمن والعراق .
ثانيا: اتساع المواجهة لتشمل الاقليم كله بما في ذلك مع امريكا:
من الضروري الاشارة الى ان التدخل الامريكي بحرب شاملة ضد ايران ومحور المقاومة ما زال مستبعدا (ولكنه ليس مستحيلا)، ولكي اعزز فكرة عدم احتمال المواجهة اشير الى ان الولايات المتحدة عندما قررت مواجهة العراق بدأت بحشد القوات (حوالي ربع مليون جندي) لمدة ستة شهور ، معززة هذه القوات بمئات الطائرات والقطع البحرية وجيوش مساندة لها من المنطقة وخارجها.
ولكن عند النظر للواقع القائم فان الولايات المتحدة لم تقم باي حشد عسكري، وقواتها المتمركزة في المنطقة لا تكفي بتاتا لمواجهة ايران ،وهي تعلم ان ايران حاليا اقوى كثيرا من العراق حين غزته ، بل انها تمتص ضربات الحشد الشعبي او تحرشات انصار الله ليبقى الامر في نطاق الفعل التكتيكي لا الاستراتيجي، ناهيك عن ادراكها ان اوضاعها الداخلية وتوجهات مجتمعها والمجتمع الاوروبي ليس ميالا للمواجهة.
ثالثا: تمسك الموقف العربي بدبلوماسية "الدفاع المدني"
فلم ولن تقطع اي دولة عربية مطبعة علاقاتها مع اسرائيل حتى لو نسف نيتنياهو المسجد الاقصى وهجَّر كل الفلسطينيين ، ولن يفتح "كافور" معبر رفح الا في حدود ما توافق عليه اسرائيل، ولن تقم الجامعة العربية التي عقدت اجتماعا تلو اجتماع في ربيعها العربي بعقد اي اجتماع له دلالة، وضخ ممثل دبلوماسية الانابة 137 مليار دولار لتدمير دولة عربية واحدة ، وهو ما يعيد بناء غزة الحالية ثلاث مرات…بل ان التوجه لمحكمة العدل الدولية قامت به جنوب افريقيا ولم تقم به اي دولة عربية، بل إن ما يتسرب يشير الى الى ضغوط مصرية قطرية لإقناع المقاومة ببعض التنازلات، فالثناء الامريكي المتكرر على الدور الدبلوماسي للوسطاء العرب لم يأت من فراغ.
كل هذا يعزز الموقف الاسرائيلي الذي استقرت قناعته أن اغلب الدول العربية راغبة في القضاء على المقاومة الفلسطينية وبلهفة لا تقل كثيرا عن المسعى الاسرائيلي.
القلق الوحيد الذي يتوجسه الاسرائيليون هو حدوث تغير في احد الانظمة العربية المؤثرة في المشهد، وهو امر لا تلوح بوادره القريبة.
خلاصة المشهد
يشير المشهد حتى اللحظة الى أن المقاومة تدير معركتها العسكرية بشكل أذهل اغلب المراقبين العسكريين في مراكز الدراسات والأكاديميات العسكرية الغربية والاسرائيلية التي لا انقطع عن متابعتها، لكن استمرار الحرب في ظل خنق كافور لغزة شعبا ومقاومة وبأعذار لا دليل على صحتها، واستمرار الانتظار العربي للتخلص من المقاومة، وبقاء المواجهة في حدودها الحالية ، والمساندة الامريكية سياسيا وعسكريا واقتصاديا لإسرائيل وبقدر يفوق بشكل لا يقارن الدعم للمقاومة ، يجعل الخطورة شاخصة لا في هزيمة عسكرية للمقاومة بل في معركة سياسية قاسية ..وهنا لا بد من القلق، وهو ما يستوجب على محور المقاومة ان يدركه قبل فوات الأوان.