نقاش محتدم حول ما جرى في البلدة السورية المحتلة في هضبة الجولان ونقصد بلدة مجدل شمس، وهذه البلدة تنتمي لمنطقة في هضبة الجولان يصل عدد سكانها حوالي 12 الف نسمة وينتمون للطائفة الدرزية بينهم حوالي 2000 يحملون الجنسية الاسرائيلية ، وهو امر كان محصورا في عدد قليل جدا من الافراد ،لكن فترة الحرب الاهلية في سوريا خلال العشرية الماضية زادت من وتيرة حمل الجنسية الاسرائيلية رغم انها ما تزال محدودة للغاية.
يوم امس سقط صاروخ على ملعب كرة القدم ، مما ادى الى مقتل 12 فردا واصابة قرابة اربعين بينهم عدد يصل الى حوالي 10 اصاباتهم خطرة، لكن السؤال الاهم هو من أطلق الصاروخ؟وما الغاية؟
لتحديد المسؤولية عن الهجوم هناك فرضيات عدة؟
أولا: فرضية الخطأ العسكري: اي ان الصاروخ :
أ- اسرائيلي كان يتصدى لصاروخ جاء من خارج الجولان لكنه اخطأ الاعتراض وسقط على ملعب كرة القدم في البلدة.
ب- ان الصاروخ جاء من خارج الجولان (من لبنان أو من تعاون بين الحشد الشعبي وانصار الله كما حدث سابقا )لكنه اخطأ هدفه ووقع في مجدل شمس.
ثانيا: نظرية الخطأ المقصود:
اي ان طرفا ما تعمد اطلاق الصاروخ باتجاه البلدة لتحقيق اهداف معينة، وهذه النظرية يصعب الاخذ بها تجاه حزب الله او الحشد الشعبي أو اي طرف من اطراف محور المقاومة لانها لا تتضمن اي مكسب لمحور المقاومة بل يترتب عليه خسائر معنوية، ناهيك عن ان محور المقاومة لم يستهدف اي تجمع سكاني مدني في المستوطنات اليهودية منذ بداية طوفان الاقصى، فهل يعقل ان من لا يضرب المستوطنات الاسرائيلية يقوم بضرب بلدات عربية درزية؟
يبدو ان اسرائيل هي الطرف الأقرب للقيام بذلك ثم الزعم ان الصاروخ جاء من حزب الله ،لانه يحقق لها سلسلة اهداف:
1- تأجيج التوتر في المنطقة ليتم امتصاص الاحتقان الداخلي في اسرائيل (بين الحكومة والمعارضة وداخل الشرائح الاجتماعية )، والملاحظ ان المعارضة والحكومة تحدثا للمرة الاولى بمضمون واحد ،وهو تصعيد الموقف ضد حزب الله والاخذ بنظرية ان الحزب هو من اطلق الصاروخ رغم النفي التام والواضح من الحزب لذلك، ويبدو ان "لم شمل " المعارضة والحكومة الاسرائيلية بذريعة هذا الصاروخ امر مفيد لتعزيز مكانة نيتنياهو.
2- ان تأجيج الموقف الآن مفيد لاستغلال حالة شبه الفراغ في الادارة الامريكية وتحصيل المكاسب لإسرائيل، فالموقف في الولايات المتحدة يشير الى رئيس "مؤقت " من الناحية العملية بعد اعلان بايدن انسحابه من المنافسة الانتخابية، ونحن امام كامالا هاريس كمرشحة "معلقة" عن الديمقراطيين في ظل اضطراب في صفوف الحزب، وهناك مرشح جمهوري "ترامب" كاد ان يُقتل ، ويواجه بعض التراجع في شعبيته...ولعل هذا المشهد الامريكي يشكل بيئة صالحة للاستغلال الاسرائيلي للتملص من تنامي الدعوة على المستوى الدولي لوقف اطلاق النار في غزة، ولاستغلال الصوت اليهودي في الانتخابات القادمة قريبا جدا.
3- ان التركيز على ان الضحايا هم من الاطفال ، وفي ملعب كرة قدم، يساهم بقدر ما في رسم صورة تتناغم مع ما روجه نيتنياهو امام الكونجرس الامريكي عن " همجية" المقاومة في غزة ولبنان، ويساهم في التغطية على الهجوم الاخير في نفس اليوم في دير البلح على مدرسة خديجة والتي قتل فيها عشرات المدنيين الفلسطينيين بينهم 23 طفل وامرأة. اي ان اسرائيل تريد تشويش الصورة التي بدأت تستقر في الوعي العالمي عن همجيتها، ورسم صورة الفوضى في المنطقة بشكل يربك المراقب الخارجي.
4- ان التركيز على "الاهتمام الاسرائيلي بالدروز" هو محاولة لتكريس فكرة ان الدروز في هضبة الجولان هم مواطنون اسرائيليون طبقا لقرار الضم عام 1981 والذي لا تعترف به الا الولايات المتحدة، ثم استغلال ذلك لفك وشائج العلاقة بين سوريا ومواطنيها في الجولان المحتل ، وهو الامر الذي عبر عنه بشكل واضح الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط مشيرا الى ان اسرائيلي تريد استغلال الحادث لتعزيز التشقق بين الثقافات لفرعية في المنطقة، وتقديم نفسها امام الدروز على انها "لا تسكت عن اي مساس بهم" لا سيما أنه يشكلون حوالي 1.5% من سكانها، لكنهم يرفضون الخدمة العسكرية بنسبة تتراوح بين 54% الى 64% حسب المصادر الرسمية والاكاديمية الاسرائيلية.
5- من مصلحة اسرائيل التهويل في المخاطر المحدقة بها لمحاصرة تيار الحريديم الداعي لعدم الالتحاق بالجيش، وحضه على القبول بالالتحاق.
6- استغلال الحادث في مجدل شمس لخلق توتر عالي على الجبهة اللبنانية "لردع حزب الله"، ويبدو ان اسرائيل اصبحت اكثر ميلا للردع "التهديدي" من الردع "التنفيذي"، فمنذ شهور وهي تكرر التهديد بإعادة لبنان الى العصر الحجري املا منها ان هذه التهديدات ستلجم حزب الله او تدفعه للحذر من القيام بضربات كبرى، لكن يبدو ان ذلك لم يؤت أُكله.
الموازنة بين النظريتين:
سبق لحزب الله ان اطلق صواريخ على فلسطين المحتلة ،وحدث ان بعض هذه الصواريخ اصابت مدنيين فلسطينيين من اهالي 1948(اضافة لإصابة اسرائيليين)، ولم ينف الحزب في تلك الفترة انه المسؤول عن تلك الهجمات، وهو ما يعزز نفيه الحالي للهجوم على مجدل شمس، بل ان زعيم حزب الله قال بشكل واضح وفي خطاب متلفز في الحرب مع اسرائيل عند اختطاف الحزب جنودا اسرائيليين" لو كنت اعرف ان النتيجة ستكون ما جرى لما قمنا بالعملية"، وهو ما يؤكد ان الحزب لديه الشجاعة الادبية للاعتراف باي تقدير خاطئ، وهو ما يعزز نفيه الحالي.
من زاوية مقابلة ، تبنت اسرائيل روايات ثبت كذبها سابقا، فكثير من المستشفيات والمدارس والمناطق التي تم تصنيفها كمناطق آمنة قصفها الطيران الاسرائيلي ثم ادعى ان القصف جاء من صاروخ فلسطيني( مثل قصفها مستشفى المعمداني)، وهو ما تبين طبقا لتقارير غربية أو من منظمات دولية أن الرواية الاسرائيلية ليست صحيحة، وهو ما يعني ان السوابق التاريخية في السجل الاسرائيلي تعزز فرضية ان الهجوم على مجدل شمس هو عمل اسرائيلي سواء كان مقصودا او غير مقصود، وما يعزز ذلك ان قرارات القضاء الدولي(محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ) تعزز همجية اسرائيل ، الى الحد الذي جعل بريطانيا الاكثر تأييدا لإسرائيل في العالم تسحب اعتراضها على حكم الجنائية الدولية باعتقال نيتنياهو..