تركزت أدبيات التطبيع العربي مع اسرائيل على مسوغات متعددة بتعدد ظروف كل دولة عربية، لكن هذه المسوغات تندرج في اطارين هما : المسوغات الظاهرية من ناحية والمسوغات الباطنية من ناحية ثانية، اما المسوغات الظاهرية فتتمثل في الآتي:
أ- يهدف التطبيع الى التخلص من اعباء الانفاق العسكري على الصراع مع اسرائيل( لكن الانفاق العسكري لم يتغير بعد التطبيع بل انه ازداد قياسا لإجمالي الناتج المحلي في اغلب دول التطبيع، ويكفي ان نشير الى انه في عام 2023 كان معدل الانفاق العسكري الى اجمالي الناتج المحلي في الشرق الاوسط هو 4.2% بينما بلغ في اوروبا 2.8% وافريقيا 1.9% وفي آسيا 1.7% وفي امريكا 1.2%، أي ان معدل نسبة الانفاق في منطقتنا يساوي مجموع نسبته في اسيا وافريقيا وامريكا مجتمعة، وهذا التزايد مستمر منذ 1977(زيارة السادات للقدس).
ب- يوفر التطبيع حالة للسعي لخلق حالة من الاستقرار في الشرق الاوسط لفتح المجال امام التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي في دول المنطقة( لكن كافة المقاييس الدولية تجمع على ان الشرق الاوسط هو المنطقة الأعلى في عدم الاستقرار السياسي والاعلى في مستويات الاستبداد والاكثر تخلفا في المجالات العلمية)
ت- ان التطبيع يساهم في تشجيع التيارات السياسية الإسرائيلية المساندة لإقامة دولة فلسطينية (لكن النتيجة تشير الى انه منذ بداية التطبيع الى الآن ارتفعت مقاعد القوى السياسية الاسرائيلية اليمينية في الكنيسيت ولم يحصل حزب العمل(او الماباي) الا على 4 مقاعد في االكنيسيت الحالي ، كما ان تقديرات مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ان نسبة اليمين الى اليسار في المجتمع الاسرائيلي الشاب هي 5(يمين) الى 1(يسار).اي ان المعارضين للدولة الفلسطينية او للحقوق الفلسطينية تضاعف منذ اول تطبيع عام 1977(زيارة السادات لفلسطين المحتلة).
اما المسوغات الباطنية للتطبيع فهي ضمان رضا اقطاب المجتمع الدولي عن النظام القائم ومساندته ضد اي قوى تغيير تهدده، ولما كانت الحركة الاسلامية هي القوة السياسية الاكبر في العالم العربي ،واتضح ذلك بشكل كبير بعد حدثين مفصليين هما : الثورة الايرانية ، ثم الغزو السوفييتي لأفغانستان وما ترتب عليه من تأجيج النزعة الجهادية"للدفاع عن الاسلام"، وتعززت هاتان الظاهرتان بنتائج الانتخابات في تونس والجزائر والمغرب والاردن ومصر والسودان والكويت والمغرب تباعا...لكن جناحا من هذه الحركة اعتمد استراتيجية ان دار الاسلام واحدة،فالظلم في افغانستان هو نسخة ثانية من الظلم في فلسطين، وهنا توجست النظم السياسية التطبيعية من تبعات ذلك، ووجدت نفسها امام اختيارين : إما الوقوف الى جانب سندها الدولي (المساند لإسرائيل) او التخندق مع المجاهدين والتحرريين العرب، فاختارت الأولى طبقا لحساباتها.
ذلك يعني أن المسحة الاخلاقية والظاهرية للتطبيع ( توفير الانفاق العسكري، التوجه نحو التنمية، تحسين فرص اقامة دولة فلسطينية..الخ ) تعرت تماما في حرب غزة التي فضحت وعرت كل هذه التبريرات المفتعلة. وتحولت التبريرات بعد ذلك الى القول ان العلاقة مع اسرائيل سمحت بإيصال المساعدات لغزة ، وهو الموضوع الذي تتكئ عليه الآن الدبلوماسية التطبيعية، لكن تقارير الهيئات الدولية عن ان نسبة ما تسمح اسرائيل بوصوله لغزة لا يغطي اكثر من 5% من الحاجات المطلوبة، بينما ما تسمح به دول التطبيع للمتاجرة فيه مع إسرائيل يفوق ذلك.
الظاهرة الاماراتية في اطار التطبيع :
كان موقف الشيخ زايد من اسرائيل موقفا واضحا باعتبار اسرائيل "عدوا للأمة" وهو ما قاله لاحد ابنائه ، وبعد وفاته عام 2004 ، اصبح محمد بن زايد الحاكم غير المتوج رغم وجود شقيقه خليفة في اعلى السلطة، وفي عام 2022 توفي خليفة فتدعمت سلطة الامير محمد بن زايد واصبح المركز الاول في صنع القرار.
وتشير عشرات الدراسات التي اطلعت عليها الى عدد من السمات في شخصيته:
أ- لديه ميول نحو عدم الظهور الجماهيري،ولا يحب القاء الخطابات او الادلاء بالتصريحات للصحفيين ، اي ان شخصيته أميل للانطوائية كما يعرفها علماء النفس، ويرى في التجربة السنغافورية انموذجا يستحق اتباعه.
ب- له تجربة حياتية متنوعة منها ما هو شعبي(عمل نادلا في احد المطاعم المغربية بعد ان ارسله ابوه الى هناك بجواز سفر لا يحمل الاسم العائلي)، ورسمي( التحق بكلية ساند هيرست البريطانية)، ثم عمل في مناصب حكومية عدة .
ت- يتبنى موقفا عدائيا حادا من التيارات الدينية الاسلامية رغم تتلمذه وهو في الرابعة عشرة من عمره على يد احد رجال الاخوان المسلمين وهو عزالدين ابراهيم ،وتعززت هذه النزعة من خلال صلته بريتشارد كلارك الذي عمل مستشارا لمكافحة الارهاب في الولايات المتحدة ، وهو احد الخبراء في الشأن الأخواني، وتعززت مخاوف بن زايد من التيارات الاسلامية بعد ان تبين له ان اثنين من المشاركين في هجمات سيبتمبر في الولايات المتحدة هما من الإمارات العربية، وهو – طبقا لما يقوله كلارك – ما عزز هواجس بن زايد بان هذا التيار يشكل تهديدا لسلطة الاسرة الحاكمة، لا سيما ان حزب الاصلاح الاسلامي بخاصة في امارة راس الخيمية كان يقلقه ، وقد ارسل بن زايد ابنه الى اثيوبيا نظرا لما تلمسه من نزوع ديني لديه، وبهدف الاطلاع على تجارب مختلفة من هذه الناحية.
ث- تعززت هواجسه ضد الحركات الدينية من خلال شعوره يما يعتبره " تمددا ايرانيا" في المنطقة ،وبخاصة ان هناك نزاع اقليمي لبلاده مع ايران حول جزر طنب الكبرى والصغرى وابوموسى ، كما أن فوز محمد مرسي في مصر ودعم تركيا للإخوان المسلمين عمق هواجسه ، فتزايد قلقه على سلطته ،فكان لا بد له من التقارب مع اسرائيل لتكون سندا له في مزيد من الحماية الامريكية له، وهو ما تجلى بعد ذلك في اتفاقيات ابرهام.
مراحل التطبيع الإماراتي الاسرائيلي:
يمكن تحديد مسيرة التطبيع الاماراتي عبر المراحل التالية:
اولا: مَثّلَ قبول الامارات حضور اسرائيل مؤتمر وكالة الطاقة المتجددة من خلال وصول وزير البنية التحتية عوزي لنداو للإمارات في 19 يناير 2010 نقطة البداية العلنية ، وهو حدث وقع بعد ثلاثة ايام من الضجيج الاماراتي ضد اجهزة الامن الاسرائيلي بعد اغتيال المبحوح(احد قيادات حماس) في الامارات، وفي 2012 التقى نيتنياهو مع وزير خارجية الامارات وتبعه لقاء مبعوثيهما للأمم المتحدة في 2015 وتم الاتفاق على تعزيز التنسيق في جهودهما ضد ايران ، وترتب على زيارة لينداو فتح بعثة دبلوماسية اسرائيلية في ابو ظبي تحت غطاء وكالة الطاقة المتجددة الدولية في عام 2015.
ثانيا: اتسمت سياسات الامارات بقدر من التضارب في اتجاهاتها العامة، وهو ما يتضح في المؤشرات التالية:
أ- قال يوسف العتيبي سفير الامارات في واشنطن( والعتيبي صديق لكوشنير مستشار دونالد ترامب وصهره من ناحية ثانية) ان اسرائيل تعهدت بعدم ضم الضفة الغربية ووقف الاستيطان عند توقيع اتفاقية ابراهام ، لكنه بعد 3 سنوات قال ان اسرائيل تعهدت ب " تعليق" الضم والاستيطان"، وهو ما يعني التراجع عن التعهد الذي نقله السفير الاماراتي، ولم يترتب على التراجع الاسرائيلي اي موقف اماراتي.
ب- الزعم الاماراتي ان علاقاتها مع اسرائيل ساهمت في تسهيل وصول مساعداتها لقطاع غزة في الحرب لحالية، لكن الهجمات الاسرائيلية على المطبخ المركزي العالمي الذي تشارك فيه الامارات يشير الى هشاشة هذا الترويج، فالعلاقة لم تساهم في حماية الشريك، ناهيك عن ان تجارة الإمارات مع إسرائيل تفوق بعشرات الأضعاف قيمة مساعدتها لغزة.
ت- تعميق التعاون في شتى المجالات مع إسرائيل بحجة تدعيم السلام بينما يتسع تدخلها العسكري بأشكال مختلفة في بقية دول المنطقة، ،فالإمارات تساهم في ايصال التجارة برا وجوا الى اسرائيل لتفادي مخاطر هجمات الحوتيين ، بل وتصاعد حجم التجارة بشكل متسارع مع اسرائيل لتصبح الامارات الشريك التجاري الثاني لإسرائيل بعد تركيا (التي بدأت تعمل على تضييق تجارتها تباعا مع اسرائيل،واستدعت سفيرها ، وتبدي نقدا بين الحين والآخر لإسرائيل )، بينما هناك حاليا حوالي الف مشروع تجاري اسرائيلي في الامارات ،كما ان التعاون بين البنكين المركزيين الاسرائيلي والاماراتي يتنامى ،كما اشترى الصندوق السيادي الاماراتي 22% من حقل غاز اسرائيلي في البحر المتوسط بقيمة مليار دولار، ،ناهيك عن فتح فرع للشركة التكنولوجية التي يراسها طحنون بن زايد في تل ابيب ،وبلغت عقود هذه الشركة مع اسرائيل بعد اندلاع الحرب حوالي 20% من مجموع عقودها. اما العلاقات في الجوانب الاخرى فتظهر في :
1- المشاركة مع اسرائيل وباكستان واسبانيا في تدريبات الطيران العسكري في الولايات المتحدة عام 2016.
2- اقامة قاعدة تجسس بالتعاون مع اسرائيل في جزيرة سوقطرة.
3- يمكن اعتبار الضابط الاسترالي مايكل هندمارش(Michael Hindmarsh) هو مهندس بناء الجيش الاماراتي ، وهو من يساهم في ترتيب استراتيجيات النشاط الداخلي والخارجي عسكريا.
4- بناء تعاون تكنولوجي مع معهد وايزمان الاسرائيلي من ناحية والتعاون في مجال بيع نظم دفاع جوي بين الطرفين من ناحية اخرى ، وقد اصبح هذا اكثر يسرا بعد انتقال اسرائيل من تبعيتها للقيادة الأوروبية في القوات الامريكية الى القيادة الوسطى في الشرق الاوسط مما يسهل التعاون بين الطرفين تحت القيادة الامريكية.
5- تعميق العلاقات في الميادين السينمائية والرياضية بل والسماح باشراك لاعبين اسرائيليين في الفرق الاماراتية(كما جرى مع نادي النصر).
6- بالمقابل فان الامارات تحاول التقريب بين اسرائيل وتركيا من ناحية ، و تحاول التقارب مع سوريا وتركيا وايران بهدف التغطية على التقارب مع اسرائيل، والدليل ان ما تفعله اسرائيل لم يحرك اي موقف من الامارات بينما اقل خطأ من دولة عربية تندفع الامارات لقطع العلاقة معها ودليل ذلك انها انخرطت في حروب عسكرية في ليبيا والسودان وسوريا واليمن وتبدي اكبر قدر من العون لأية جهة تقاوم الحركات السياسية الاسلامية وبخاصة الاخوان المسلمين، وشكلت علاقة دولة قطر مع الاخوان نقطة تصادم بين قطر والامارات الى حد حصارها من كل الجوانب وقطع العلاقات الدبلوماسية معها.
7- في شهر آب 2020 وصلت العلاقة بين الامارات واسرائيل الى نقطة الاتفاق على تطبيع العلاقات بين الطرفين وتجسد ذلك في اتفاقات ابراهام، تلا ذلك تدشين الاتصال الهاتفي ثم اول رحلة لطيران مدني بين الجانبين في نفس العام مرورا عبر الاجواء السعودية. وفي 2021 تم افتتاح سفارة لكل منهما لدى الاخرى في النصف الاول من عام 2021 وزار رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت الامارات واجتمع بقادتها.
8- تعمل شركات اسرائيلية تحت غطاء طرف ثالث في الامارات ،كما يعمل اسرائيليون ممن يحملون جوازات سفر ثنائية في الامارات ، ثم تلا ذلك اعفاء سكان الطرفين من الفيزا للدخول الى البلد الآخر. وفي عام 2020 تم تأسيس مجلس الاعمال الاماراتي الاسرائيلي ويضم اكثر من ثلاثة آلاف من رجال الاعمال من الطرفين في كل القطاعات، وهناك الآن اكثر من 500 شركة اماراتية تتعاون مع اسرائيل.
9- هناك منتدى السياسة الاسرائيلية الخليجية الذي تم بالتعاون بين جامعة تل ابيب و ومركز موشيه دايان ، ويضم عددا من الباحثين والاكاديميين من الامارات والسعودية والبحرين. وتم انشاء منتدى المرأة الاسرائيلية الخليجية، الى جانب اتفاقيات التجارة الحرة(2022).
ث- يشير استطلاع رأي المركز العربي عام 2024 الى ان 67% من العرب يعتبرون موقف الامارات من حرب غزة سيء الى سيء جدا". وتشير تقارير crisis Group في حوارات مع اكاديميين اماراتيين الى تزايد السخط والانتقاد للاتفاقات مع اسرائيل، لكن هذه الانتقادات الداخلية في الامارات جعلت الدولة تضاعف من رقابتها على كل النشاطات السياسية في البلاد بخاصة انها دولة تخلو من اية مظاهر للمجتمع المدني طبقا لتقارير منظمة العفو الدولية لعام 2023.
ج- تتوافق المواقف الاماراتية مع اسرائيل في تفاعلات الاستراتيجيات في الشرق الاوسط على:
أ- كل منهما لا يوافق على اي عودة للاتفاق النووي الامريكي الايراني الذي الغاه ترامب بعد توقيعه من اوباما.
ب- تنسيق الجهود في مختلف الجوانب لتضييق حركة الدبلوماسية الايرانية في المنطقة، والتضييق على الوجود الايراني في سوريا .
ت- التعاون الاماراتي الاسرائيلي لدعم خليفة حفتر في ليبيا ، فإسرائيل تريد مزيد من اغراق ليبيا في الفوضى واحتمالات التقسيم للدولة على اسس تاريخية وعرقية ،بينما يريد بن زايد الحيلولة دون تحقيق الحركة الاسلامية اية انجازات ميدانية هناك.
ث- لا ينظر بن زايد الى المقاومة الفلسطينية بصبغتها الدينية كحركة تحرر بل كحركة ارهابية ، وهو موقف يجمعه مع الموقف المصري والاسرائيلي.
آفاق العلاقة بين الطرفين:
في الكتاب الذي حررته رئيسة مجلس الوصاية التابع للأمم المتحدة شيلا هاردن(Sheila Harden) تحت عنوان "Small Is Dangerous-Micro States in Macro World" تشير توصيات الدراسة الى أن الدول الصغرى (كدول الخليج ) تواجه اشكالا مختلفة من الأزمات التي قد تجرها لنزاعات دولية رغم أنفها، لكن الخطورة تتجلى في بعدين هما الاستبداد السياسي الذي يحول دون النظرة العقلانية الجماعية لملابسات الحياة الدولية من ناحية والتنافس بين القوى الكبرى في النظام الدولي او بين القوى الاقليمية في النظم الاقليمية على هذه الدويلات بخاصة إذا كانت ذات موقع استراتيجي او فيها موارد اقتصادية هامة من ناحية أخرى ، وكلا الامرين متوفر في دويلات الخليج.
نعتقد ان ثمة وهم في دول الخليج يتمثل في الاعتقاد ان الدولة الريعية قادرة على لجم ما يهددها بسبب الريع ذاته ، لكن هذا الريع قد يكون من اسباب إثارة التنافس عليها، كما ان الاستبداد السياسي يجعل الغرائزية تحل محل القرار العقلاني ،ويكفي التذكير بان الخليج عرف في الفترة من 1977 اضطرابات داخلية (سنة وشيعة وعرب وفرس ..الخ) وحروب على الكويت وحصار على قطر وصراع مع ايران على الجزر وحروب امتدت من الميدان اليمني الى الامارات عبر استخدام الصواريخ والمسيرات ، ويكفي التوقف عند بعض الارقام :
- غزو الكويت : احتراق 752 بئر نفطي / خسارة بلغت 92 مليار دولار/ناهيك عن الخسائر البشرية والبنية التحتية.
-العجز الاماراتي عن فعل اي شيء فيما تدعيه من ملكية للجزر الثلاث ، والغريب هو الغضب الاماراتي من اي طرف يقبل بتبعية الجزر لايران لكن الامارات ذاتها لا ترى ضيرا من موقفها بتبعية فلسطين لليهود.
-في اليمن خسارة الامارات تقارب 40 مليار دولار دون تحقيق اية نتائج.
اما الوهم الآخر، فهو الاعتقاد بان العلاقة مع اسرائيل يشكل حجابا واقيا من "خطر الصغر " كما تقول شيلا هاردن،وان حجب الارادة الشعبية عن التعبير عن نفسها عبر صناديق الاقتراع هو أداة مضمونة للبقاء في السلطة المستندة للعلاقة مع قوى كبرى، لكننا يجب ان لا ننسى ان القوى الكبرى تبيع اي حليف إذا فشل في أداء مهماته، الم تتخلى امريكا عن فيتنام الجنوبية، والم تقبل بصين واحدة وطردت تايوان من الامم المتحدة ، وتركت اتباعها في افغانستان يلهثون وراء طائراتها للهروب معها...وعندما اضطرب الكرملين ذهب حلف وارسو ادراج الرياح في لحظة، وتخلت بريطانيا عن هونغ كونغ في لحظة وغادرت البرتغال ماكاو رغم انفها، وتركت فرنسا جنرالات دول الساحل الافريقي يبحثون عن سند دولي جديد..الخ.
إذا ارادت الامارات ان تقدم نموذجا تنمويا وحضاريا ، وإذا كان النموذج السنغافوري يشكل موضع جذب لسمو الأمير محمد بن زايد، فعليه ان يتأمل تركيبة النظام السياسي في سنغافورة التي تعتبر ديمقراطية هجينة بمعدل 6.18 من عشرة مقابل الامارات التي تقع ضمن دول الاستبداد بمعدل 3.01 من عشرة، وفي مجال الانفاق العسكري فان سنغافورة تنفق 2.8% من اجمالي الناتج المحلي بينما تنفق الامارات 5.6%،اي ضعف سنغافورة، ناهيك عن تدخلاتها العسكرية في أغلب المناطق المضطربة في المنطقة من المجلس الانتقالي في اليمن إلى الدعم السريع في السودان الي حفتر في ليبيا.. الخ... مما يعني سلاما مع إسرائيل وحروبا مع العرب.
أخيرا : لو قارنا بين وضع الامارات بين 1971-2004 ( فترة الشيخ زايد حيث لم تكن هناك علاقات رسمية معلنة مع اسرائيل) وبين 2005 و 2024 ، فما الذي اضافته العلاقة مع اسرائيل لرصيد الامارات؟ انه سؤال للتأمل.