منذ بداية معركة طوفان الأقصى قبل قرابة الاسبوع الذي يعادل زمنا طويلا مع كثافة ما انطوى عليه ، ورغم بريق المفاجأة الكبرى التي حققتها المقاومة وبقدر لم تنجزه جيوش محترفة في بداية المعركة ، ورغم التطورات المتسارعة والخطيرة خلال اليومين السابقين، اقتصر ظهور قيادات حزب الله على نعيم قاسم (نائب نصر الله) وبعض النواب من كتلة الحزب النيابية،او بعض الكتاب المحسوبين على المقاومة الاسلامية ...لكن نصرالله لم يظهر ،بل لم ينقل عنه اي تصريح، او لم تتم الاشارة الى اي نشاط له...فلماذا؟
1- ثمة احتمال بأن يكون في "خلوة " ، لا يراد كشف من معه فيها لكي لا يتم استشفاف ابعاد الخلوة من شخصيات الحاضرين وما مضمون الخلوة، اي ان الغياب لاعتبارات استراتيجية وامنية.
2- الاحتمال الثاني بأن يكون في طهران ، ولا يراد الكشف عن ذلك حتى لا يبدو الامر بأنه ذهب " للتنسيق والمشاركة في التخطيط لعمل ما " بخاصة في ظل ظروف كالتي نحن فيها.
3- احتمال أن يكون مريضا ، فالرجل في بدايات ستينات العمر ..
4- احتمال ان يكون هناك بعض الخلافات داخل قيادة الحزب حول القرار الانسب، وان غيابه مرتبط بحل هذا الخلاف ان كان ذلك الاحتمال صحيحا.
لكن العودة للدراسات الاسرائيلية والغربية التي تناولت تحليل البعد النفسي في شخصية نصر الله تشير الى مجموعة من النتائج التي يمكن ان تساعد على فهم " الغياب":
أ- تتفق دراسة Aurélie Daher الصادرة عام 2019 عن جامعة أكسفورد تحت عنوان" The Hassan Nasrallah Phenomenon: Leadership and Mobilization " على ميله نحو الغموض في المواقف الاستراتيجية الحساسة والدقيقة، بل واعطاء اشارات مضللة لتجعل الطرف الآخر اقل قدرة على الاستعداد لرد الفعل، ، ويربط الكثيرون –طبقا للدراسة- الامر باشكالية التوفيق بين بعدين لقائد كنصر الله الاول :رجل الدين(الذي لا يجب ان يكذب) والثاني رجل السياسة( الذي من الفطنة أن يكذب حيث تقتضي ضرورات الواقع)، لذلك فهو يتجنب الظهور في موقف كالذي نحن فيه بخاصة إذا كان القرار الذي سيعتمده لم يتبلور بعد، وعدم الظهور يتسق مع مبدأ لدى المذهب الشيعي وهو مبدأ التقية القائم على اساس ان تخفي ما تضمر إذا كان في ذلك منفعة " للمسلمين".
ب- في الدراسة التي أنجزتها وحدة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية –الفرع المتخصص بحزب الله واشرف عليها نخبة من خبراء علم النفس في القسم المسمى Lebanon Arena section-، وتحت عنوان "ملف نصر الله: “Nasrallah’s File” تم استعراض شخصية نصر الله في 81 صفحة ، وتم خلالها تحديد شخصيتة استنادا الى سيرته الحياتية منذ الطفولة حتى تسلمه قيادة الحزب عام 1992، ثم تحليل "لغة الجسد اثناء الخطابات واثناء الاجتماعات ومتى يشرب ومتى يتحرك وكيف يجلس وكيف يمسح عرقه وكيف ومتى يبتسم ومتى يعلو صوته ومتى يهدأ..الخ، ثم تطبيق منهج تحليل المضمون على 983 خطابا له ، وكانت تقود فريق البحث سيدة اسرائيلية رمزوا لها في التقرير بالرمز د. كيرين(Dr.Keren) مع التنويه ان رسالة هذه السيدة في الدكتوراة هي عن شخصية نصر الله. ، ومن اهم ما توقفت عنده هو:
1- ان ما حدث عام 2006(بعد واقعة خطف الجنود الاسرائيليين في جنوب لبنان واشتعال الحرب مع اسرائيل) جعل نصر الله أكثر حذرا في اتخاذ قراراته ، وازداد هذا الحذر بعد مقتل عماد مغنية ومصطفى بدر الدين ثم قاسم سليماني.
2- ان جرعة التفاؤل لديه-حسب الاستنتاج الاسرائيلي- اصبحت اقل من السابق رغم انها ما تزال عالية،ولعل تكرار نجاحاته تكشف عن قدرته العالية على إدارة الصراع مع الخصم بذكاء مشهود، وتتفق هذه الدراسة مع نتائج دراسة أكسفورد على ثنائية رجل الدين والسياسي واشكالية الحركة بينهما.
3- في عملية صنع القرار ثمة ما يسميه الباحثون Compartmentalization، أي تجزئة المعلومات الخاصة بموقف حساس بين عدة افراد او جهات خوفا من "تسرب القرار او أية ايحاءات بخصوصه، بخاصة إذا كانت المشاعر والافكار متضاربة في هذا الجانب،وهو ما يتوافق مع نظرية عدم الاتساق المعرفي، ويصبح صانع القرار في "حيرة " عند اختيار القرار.
هل هو في السرداب..ربما.