أعاد الرئيس الامريكي طرح خطة "يدعي أنها " جديدة " للوضع الملتبس في غزة، ومن الضروري قراءة هذه الخطة استنادا الى قواعد اربع هي:
أ- سوء النية المطلق
ب- التحديد الدقيق لكل تعبير يرد في نص الاتفاق بما يتناسب مع مصلحة المقاومة وعلى اساس اكبر قدر من المكاسب أو اقل قدر من الخسائر.
ت- التشاور مع كافة اطراف محور المقاومة لمعرفة مستوى التزامهم بمواصلة المساندة فيما لو ذهبت الامور نحو الأسوأ.
ث- أن نيتنياهو لم يتخل عن فكرة اجتثاث المقاومة من غزة،وانه ومعارضيه متفقون على هذا الهدف.
من جانب آخر، كيف نقرأ خطة بايدن :
أولا: وقف اطلاق النار لمدة ستة اسابيع:
على المقاومة أن توافق على هذا البند وتربط به نصا آخر هو " على أن يكتمل الانسحاب الكامل للقوات الاسرائيلية من قطاع غزة خلال هذه الاسابيع الستة" وليس الانسحاب من الاماكن السكنية، لأن تعبير الأماكن السكنية نص قابل للتأويل والتلاعب ، كما ان التمركز فيما يُفترض انه خارج الاماكن السكنية ستقوم اسرائيل باستغلاله أسوأ استغلال، فمثلا سترابط القوات الاسرائيلية بجوار وعلى الشوارع التي تربط مدن وبلدات القطاع ببعضها ، وهو ما يعني التحكم التام في الانتقال البشري وعودة المهجرين والتحكم في حركة المساعدات وتوزيعها ، وهو ما يعني إبقاء آلية الضغط على سكان غزة على حاله رغم وقف اطلاق النار، وهذا التحكم هو الأداة المركزية بيد نيتنياهو للضغط على الشعب والمقاومة.
بناء على ذلك لا بد من أن تصر المقاومة على أن فترة الستة اسابيع تتضمن استكمال خروج القوات الاسرائيلية بشكل كامل من القطاع كله، واي نص خلاف ذلك يعني ترك المجال لإسرائيل لافتعال اي حدث والتذرع به لمعاودة القتال في اية لحظة تشعر أن ذلك لصالحها.
لذا يجب ان يكون النص على النحو التالي: وقف اطلاق النار الشامل لمدة ستة اسابيع تستكمل فيها القوات الاسرائيلية انسحابها التام من كل قطاع غزة.
ثانيا: تعريف وقف اطلاق النار:
هل يشمل هذا التعبير استمرار طائرات الاستطلاع الاسرائيلية(بأشكالها المختلفة) التحليق فوق القطاع ؟ لا بد ان يكون واضحا بأن وقف اطلاق النار يعني وقف كافة النشاطات العسكرية في البر والبحر والجو، وهو ما يشمل الى جانب الطيران عدم دخول الزوارق البحرية الاسرائيلية المياه الاقليمية لقطاع غزة ليتمكن الصيادون الغزيون من العودة لممارسة نشاطاتهم هناك، مع ربط عودة المستوطنين في غلاف غزة بموازاة عودة سكان غزة الى مدنهم وقراهم.
ثالثا: قواعد تبادل الرهائن:
يشكل موضوع الرهائن "كعب أخيل" لنيتنياهو، لذا يجب اعتبار هؤلاء الرهائن هم الرصيد الأثمن في التفاوض،فمن الضروري ان تعمل المقاومة على جعل عدد الرهائن الاسرائيليين الذين يطلق سراحهم في مرحلة الستة اسابيع في الحد الادنى، وأن يتم على مراحل على اساس :
أ- التناسب بين مساحة الانسحاب من اراضي غزة مع عدد من يتم الاتفاق على الافراج عنهم، على سبيل المثال تعلن المقاومة أنها ستفرج عن 25% من الرهائن على دفعات ، وتكتمل نسبة ال 25% بعد أن تكون القوات الاسرائيلية قد استكملت انسحابها الكامل من غزة.
ب- ان ال 75% المتبقين من الرهائن الاسرائيليين يتم الافراج عنهم على مراحل(بعد استكمال الانسحاب التام من القطاع ) على النحو التالي:
1- الافراج عن نسبة معينة( 20% مثلا) من الرهائن المتبقين على اساس فتح المعابر للمساعدات على غرار ما كان عليه الحال قبل الحرب.
2- يجب تحديد الافراج عن الرهائن على اساس : الرهينة الاسرائيلية من الاحياء يقابلها 40 معتقلا فلسطينيا، والجثة الاسرائيلية مقابل 30 معتقل فلسطيني.
3- في أي مرحلة تُخِل اسرائيل بأي شرط يتم التوقف عن الافراج عن بقية الرهائن.
4- يجب ان يكون العسكريون الاسرائيليون هم الدفعة الاخيرة من الرهائن الذين يتم الافراج عنهم
5- على المقاومة أن تعلن أنها ستبدأ في تجميع الرهائن ، ثم تعلن في مرحلة قبيل استكمال الانسحاب الاسرائيلي مع نهاية الاسابيع الستة عن ان خمسة أو اكثر أو اقل من الرهائن الإسرائيليين تبحث المقاومة عنهم، وهي غير متأكدة من مصيرهم ،فقد يكونوا تحت الانقاض أو هربوا أو غير ذلك، وبهذا يمكن أن تحتفظ المقاومة فعليا بهؤلاء لتوظيفهم في منع اسرائيل من التراجع عن التزاماتها ،وهذا التراجع تمارسه اسرائيل حتى في معابدها.
رابعا: على المقاومة ان تقول ان حجم الدمار في المنازل والمرافق والبنية التحتية يستدعي زيادة قنوات تدفق المساعدات ، وهو ما يعني السماح للمقاومة بالشروع في إعادة ترميم ميناء غزة ومطارها لتسهيل وصول المساعدات لتقليص مدة الاعمار بدلا من احتكار المعابر بين اسرائيل ومصر…فلماذا يبني الامريكيون رصيفا بحجة تسهيل المساعدات بينما لا يجري التفكير في اعادة تشغيل ميناء غزة ومطارها؟
خامسا: من الضروري ان تطالب المقاومة بوجود "مراقبين تابعين للأمم المتحدة " لمراقبة نقاط العبور والحدود بين الطرفين ،وتقديم تقارير دورية للأمين العام ومجلس الامن.
سادسا: على المقاومة أن تصر على أن بنود المساعدات وتحديدها يجب أن لا تخضع "للقيود الاسرائيلية كما جرى في اتفاق اوسلو" لا من حيث الكمية ولا النوعية، وان يتم تشكيل هيئة دولية تابعة للأمم المتحدة مكونة من خبراء يختارهم الامين العام للأمم المتحدة لتحديد ما يسمح بدخوله كما ونوعا، فإسرائيل في اتفاق اوسلو حددت انواع بعض الاغذية(كالحمص والعدس..الخ) المسموح بدخولها، ويمكن أن تتذرع بأي مواد للقول بأنها يمكن ان تستخدم لأغراض عسكرية، فالأمريكيون في فترة الحصار على العراق منعوا حليب الاطفال (الجاف) من الدخول للعراق بحجة أنه يستخدم كمختبرات لإجراء التجارب على الاسلحة الجرثومية…الخ.
سابعا: على المقاومة ان تشكل لجنة فنية وتشرك فيها خبراء عرب ومسلمون وبعض الأوروبيين لتقدير حجم الخسائر المادية وتكاليف الإعمار ، والبدء بالطواف على الدول التي يمكن ان تساهم، فالصين اعلن رئيسها قبل ايام عن ان بلاده ستزيد مساعداتها لفلسطين، وهو أمر يستوجب الترويج له ،لان الدول الغربية وبعض العربية ستحاول ربط مساعداتها بشروط سياسية، فالسعودية مثلا قد تزيد مساعداتها لضمان عدم التعليق على تطبيع علاقاتها مع اسرائيل…وهكذا.
ثامنا : على المقاومة أن تمتنع تماما عن قبول اي تدخل خارجي في ترتيب البيت الفلسطيني،والاصرار على موضوع ترتيب انتخابات في فترة لاحقة على الرئاسة والسلطة التشريعية في الضفة وغزة ، وان تكون المعابر والمطار المقترح والميناء المقترح تحت سلطة فلسطينية خالصة قد تستعين بخبرات تقنية غير فلسطينية.
تاسعا : ان تطالب المقاومة بضرورة اعتراف الولايات المتحدة بحق فلسطين في العضوية الكاملة في الامم المتحدة وعدم استخدام الفيتو ضد هذا الاقتراح الذي يجب أن تبادر الجزائر لإعادة طرحه في مجلس الامن بمجرد بدء تنفيذ وقف اطلاق النار.، وهو مطلب سيجد مساندة دولية واسعة له، وقد يخلق بعض التوتر في العلاقات الاسرائيلية الامريكية إذا أبدى بايدن اي ميول نحو هذا.
واخيرا؟ لا بد من الاقرار ان اداء المقاومة الاسطوري ، وقدرة التحمل للشعب في غزة ، والمآزق الداخلية والخارجية لكل من نيتنياهو وبايدن وقطيع المطبعين العرب ، والتحول في الرأي العام الدولي باتجاه مزيد من التعاطف مع فلسطين هي من صنع الوضع الذي تعيشه فلسطين حاليا…