يميل اغلب الخبراء الاسرائيليين في مراكز دراساتهم وجامعاتهم من اكاديميين او ممن لديهم خلفيات عسكرية الى مجموعة من الاستنتاجات التي يبدو فيها تقارب كبير، ومع الاختلاف في بعض التفاصيل فانهم يتفقون بشكل عام على ما يلي:
أولا: ان وعود نيتنياهو بان خطته العسكرية ستصل الى غاياتها مشكوك فيها الى حد بعيد، فاقتلاع المقاومة تماما واطلاق سراح الرهائن امر غير مضمون في ظل بعض المعطيات :
أ- رغم مرور حوالي 76 يوما على القتال وتهجير اغلب سكان شمال القطاع فان المقاومة في شمال القطاع ما تزال في هذه المنطقة ،كما ان الصواريخ ما تزال تنطلق احيانا من نفس المنطقة.
ب- إذا افترضنا ان عدد الرهائن المتبقين حوالي 120 ، فمن المؤكد انهم لن يكونوا في نفس المكان ، وعلى الأرجح انهم موزعون كل 3 الى 4 رهائن في مكان ، فهذا يعني ان على القوات الاسرائيلية ان تكتشف ما بين 25 الى 30 موقعا متفرقا ، وهو امر سيستغرق امدا طويلا ،كما ان احتمالات قتلهم بسبب القصف الاسرائيلي او بسبب اشتباكات للإفراج عنهم او بسبب قسوة الظروف التي يعيشونها يزيد المخاطر عليهم ، وعليه فان فكرة "تحريرهم" هي فكرة "دعائية" وفيها قدر من الاستهانة بتعقيدات المشهد.
ثانيا: يبدو ان فكرة التهجير القسري الى سيناء او غيرها اصبحت فكرة مهجورة على الاقل في المدى الزمني المنظور، فلا المجتمع الغزي تقبلها ولا مصر قبلتها لكي لا تنخرط ثانية في المشكلة الفلسطينية بملابسات التهجير ولا الولايات المتحدة او اي من اطراف المجتمع الدولي قبل بها.
ثالثا: القضاء على المقاومة: وهنا يدور النقاش حول احتمالين هما:
1- النجاح في القضاء على المقاومة ،وهنا يتم طرح عدة بدائل :
أ- اقامة سلطة فلسطينية تدعمها الولايات المتحدة ودول التطبيع وتعتمد على نشر قوات امن(فلسطينية او دولية او اقليمية) في القطاع وهذا هو جوهر الموقف الامريكي.
ب- احتفاظ اسرائيل بالدور الامني في غزة مع مشاركة دولية وعربية في اعادة اعمار غزة مع ابقاء الحدود المصرية مع قطاع غزة مقفلة تماما.
ت- إدارة فلسطينية مؤقتة في غزة مع احتفاظ اسرائيل بتواجدها في القطاع الى حين ضمان استقرار تام للوضع الأمني ثم الحاق القطاع بالضفة الغربية .
ث- تميل الخطة الى ان يكون بناء الادارة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة بعيدا عن عباس و"ادارته الفاسدة" وانشاء إدارة تكنوقراطية تقوم بإصلاحات تتركز على الجانب الخدماتي مع اعادة النظر في كل مناهج التعليم وحذف كل موضوع مضمونه عداء لإسرائيل ،وان يتم كل ذلك بإشراف ومراقبة اسرائيلية.
وتفترض هذه الخطة التوفيق بين الموقف الامريكي الرافض لإعادة احتلال غزة او التهجير القسري وبين المقتضيات الامنية الاسرائيلية والتي يمكن تعزيزها بمزيد من التطبيع العربي مع اسرائيل.
ج- الرؤية العسكرية لإنجاز ذلك يتم من خلال سحب القوات الاسرائيلية من جنوب القطاع والتمركز على الخط بين شمال القطاع ووسطه مع استمرار الغارات على القطاع واقفال ممر فيلادلفيا تماما بين مصر والقطاع، ثم الترتيب لمؤتمر اقليمي او دولي لإعادة اعمار غزة ، وتبقى القوات على الخطوط المحددة في هذا التصور الى حين تسليم المقاومة لسلاحها وخروج قيادة حماس خارج غزة ثم اطلاق جميع الرهائن الاسرائيليين.
2- الفشل في القضاء على المقاومة بالقدر الذي تطمح له اسرائيل: ومؤشرات ذلك:
أ- لعل سحب لواء غولاني من مسرح العمليات لإعادة تموضعه يشير الى ان الخطة العسكرية الحالية لا تسير بالسرعة والكفاءة المطلوبة.
ب- ان الخسائر البشرية الاسرائيلية تفوق في كل الكتابات الاسرائيلية ما تعلنه الجهات العسكرية ،وهو ما افقد الاسرائيليين قدرا من الثقة في صدق الروايات الاسرائيلية.
ت- ان استمرار الاشتباكات في شمال القطاع يشير الى أن مستوى التقدم بطئ لا سيما ان فعاليات المقاومة في هذه المنطقة ما تزال فاعلة بل وتنطلق منها الصواريخ في كل اتجاه قريب وبعيد.
ث- ان بيانات المقاومة حول المسار العسكري او السياسي لا تنطوي على اشارات ضعف ، وما يعزز ذلك ان الفشل في الوصول لمراكز قيادات عليا او في اسر احدهم او منع اطلاق الصواريخ (امس كان هناك اطلاق صواريخ بمستوى اللحظات الاولى من المعركة تقريبا) او الفشل في الوصول الى الرهائن بل وعند الوصول لحالات يتيمة تم قتل الرهائن على يد المقاومة او من الجيش الاسرائيلي.
ج- ان الراي العام الدولي اصبح مؤثرا بشكل واضح لا سيما في الدول الغربية بخاصة على هيئات صنع القرار، واي مقارنة بين بيانات المسؤولين الغربيين وبياناتهم الحالية تشير الى تحول ليس جذريا لكنه لا يستهان به في الحسابات بعيدة الأمد.
ح- وثمة بعد سياسي اشار له تحليل للمعهد القومي الاسرائيلي وتضمن عرضا لنتائج استطلاع للرأي العام الفلسطيني والغزي خلال فترة الهدنة ، وتبين منه ما يلي:
1- ان ما بين 50 و 51% من سكان القطاع وما بين 70 الى 73% من سكان الضفة الغربية يعتقدون ان حماس لن تهزم وأنها ستعود لإدارة القطاع ثانية بعد الحرب، وهنا نتساءل الا يشير ذلك الى ان شهود المعارك في القطاع لا يشاطرون نيتنياهو درجة تفاؤله في الوصول الى الهدف .
2- ان نسبة التأييد لسياسة السلطة الفلسطينية متدنية تماما في الضفة الغربية والقطاع ولم يتجاوز تأييد عباس 7% من المستطلعة آراؤهم.
ما سبق يشير الى أن سيناريوهات المستقبل القريب تدور حول:
أ- إذا اتسع نطاق المعركة اقليميا فمن المؤكد ان ذلك سيخفف الضغط الهائل على المقاومة في غزة ويعزز موقفها.
ب- احتمال تفجر خلافات في هيئات صنع القرار الاسرائيلي وهناك العديد من المؤشرات التي لا تجعلنا نستبعد ذلك.
ت- بقاء الموقف المصري على حاله سيشكل العامل الحاسم في موقف المقاومة ، فاستمرار "التعطيل لعبور المساعدات بحجج قانونية لا صدقية فيها لدى اغلب فقهاء القانون الدولي وعلى رأسهم عبد الله الاشعل(الاشهر بين اساتذة القانون الدولي المصري وكان مساعدا لوزير الخارجية المصري) يمثل كما قلنا سابقا "كعب اخيل "في استراتيجية المقاومة.
ث- تنامي مشروعات التقارب مع اسرائيل في البحر الاحمر او القبول بممرات برية بديلة عبر الدول العربية سيزيد من الثغرات في جبهة المقاومة.
ج- بقاء التفاوض حول الاسرى والعمليات الحربية بيد اسرائيل ومصر وقطر والولايات المتحدة، وعلى المقاومة ان تصر على توسيع اطراف التفاوض بادخال الصين او روسيا او ممثل عن الامين العام للأمم المتحدة، لان بقاء التفاوض ضمن الرباعي المذكور يعني ان هامش المناورة للمقاومة سيكون محدودا جدا جدا.
ومن الواضح ان الاهداف المدنية ستبقى هي الهدف المفضل للضغط الاسرائيلي على امل ان الضغط على المدنيين سيمثل رافعة لضغط الشعب على المقاومة او لتفجير خلافات بين قيادات المقاومة او لخلق فوضى اجتماعية تربك خطط المقاومة لتنظيم تحركاتها، ناهيك عن الضغط على المقاومة عبر استثمار الموقف المصري بإدخال اقل قدر ممكن من المساعدات الانسانية الى حد التجويع والعطش والموت لنقص العلاج او من البرد تحت الخيام وانتشار الامراض وافتقاد اي مصادر للدخل ...الخ.