فقدت لذّة الكتابة منذ فترة ليست بالقصيرة و كأنّي أصبت بالكورونا الّتي من بعض أعراضها فقدان حاسّتي التذوّق و الشمّ، كنت منشغلا بمجابهة هذا الوباء الّذي ابتلانا به الله و قد رأيت فعله في مرضاي و لامست خطورته الّتي أفقدتني بعضهم و منهم من هو الحبيب المقرٌب رحمهم الله و تقبّلهم عنده من الشهّداء، ليتجرّأ بعض الغوغاء و الجهلة بإنكار خطورة الوباء أو بوجوده في المطلق تماما كما يفعلون الآن بتوصيف فعل قيس سعيد الشّنيع و الموحش بأنّه عمليّة إنقاذ و تغيير و تصحيح للمسار.
تلك مصيبتنا في تسمية الأشياء بغير مسمٌياتها و تزييف الوقائع و اغتصاب المعاني استمرارا مع منهج انفصامنا و استكمالا لتواكلنا و تملّصنا من تحمّل مسؤوليتنا الفردية لننتظىر فردا ترسله السّماء يخلّصنا من واقعنا التّعيس الّذي هو نتيجة مباشرة لما كسبت أيدينا ". إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ" [الرعد:11] تلك قاعدة و سنّة كونية و لن تجد لسنّة اللّه تبديلا و لن تجد لسنّة اللّه تحويلا.
لم استغرب تفاعل بعض الفئات ممّن استبشروا بما أقدم عليه قيس سعيد و لكلّ أسبابه ، من امتعاض من وضعية متدهورة و متأزمة إلى حدّ الانسداد وصلت إليها البلاد تعمّقت بأزمة صحّية غير مسبوقة جراء وباء الكورونا و أجّجتها طبقة سياسية متناحرة و حكومة فاشلة و رئيس ينفخ في نار الفتنة ، يعرقل و يفرّق و يدفع نحو الصّدام و يسكب الزّيت على النّار، لم استغرب ردود الفعل العاطفية المندفعة و المتوتّرة في بحث عن نجاة و خلاص و لو بالتعلّق بقشّة كظمآن استبشر بماء ليكتشف أنّه سراب.
لم أتعجّب من طوابير السيارات المحتفلة و من "المزمّرين" و جوقات المطبّلين و "الزغراطة" ، فقد كنت أحد المغفّلين الّذين خرجوا ذات ليلة حينما أعلن عن فوزه بالصّندوق ، هذا الصندوق الّذي يسعى الآن لتجاوزه و تجاوز ما أفرزه في خرق واضح لدستور و قانون يدّعي فيه معرفة، ليمعن في استغبائنا منكرا صفة الانقلاب عمّا قام به فيما يجمع الجميع بما فيهم أساتذته بأنّه كذلك، بل عين ذلك.
الفصل 80 أعادني إلى سلسلة الحجامة للمبدعة الجندوبي الّتي لا تنطق سوى بتلك الكلمة حينما تسأل عن أجرها من قبل الحرفاء، و لسائل أن يسأل كم قبض أو سيقبض رئيسنا المفدّى لارتكاب مثل هذه الحماقة و القفزة في المجهول من مموّليه و ممّن يحرّكونه عن قرب و عن بعد في الدّاخل و الخارج مستغلّين قلّة تجربته و عقده المرضيّة المزمنة و هل يساوي ذلك أو يرقى إلى مستوى وضع البلد على كفّ عفريت و على حافة جرف هار؟
لنتخيّل أنّ سيّدنا الرّئيس المفدّى السلطان أمير المؤمنين المخلّص و الحاكم بأمره أنّه صادق و هو مبعوث العناية الربّانية للمقهورين و المفقّرين و المعدمين و " المزمّرين" لتخليصهم من الفقر و البطالة و التخلّف و "الخوانجية" الّذين كانوا سببا في سقوط غرناطة و الحرب العالمية الأولى و الثانية و في ضياع النّيل ، فهل كان السّيسي أن يدعمه و يلقّنه أبجديات الانقلاب و يرسل معه من يساعده على ذلك مع فارق وحيد و هو غياب المخرج خالد يوسف الّذي يعيش منفيا و مطاردا تماما مثل البرادعي بعد أن استعملهم في انقلابه و الّذي أصرّ و يصرّ إلحاحا بأنّه ليس بانقلاب تماما كما يفعل صبيّه الآن.
لو كان قيسا مخلصا و مخلّصا هل كانت ستدعمه المؤامرات العبرية المتّحدة المطبّعة مع الكيان الصهبوني و هو المدّعي بأنّ التّطبيع خيانة؟
لو كان حقيقة مصحّحا لثورة مغدورة ، هل كانت كلّ قوى الثّورة المضادة في الدّاخل و الخارج تسنده و تهلّل لما بدر منه؟
هو زمن الفتنة ، زمن الدجّال، دجّال صغير آخر يضاف في قائمة الدجّالين قبل أن يبرز الكبير ، فالدجّال يسبقه دجّالون.