كلّنا ماعز!

عاصفة رمليّة هبّت على السّعودية منذ أيّام تسبّب فيها فلم هندي يسرد تجربة مأساوية واقعيّة تعرّض لها عامل هندي خلال أوائل التسعينيات بسبب نظام الكفالة المتخلّف الظّالم، الفلم كان بجودة فنّية عالية و حبكة ممتازة شدّت أغلب من شاهده لينتشر الفلم في كلّ أنحاء البسيطة و يكون موضوع السّاعة.

قد تكون فيه بعض المبالغات لدواع دراميّة ،لكن قصّته هي إحدى القصص العديدة الّتي عاشها عمّال أجانب في بلد الكفيل الخليجي،فهل كانت ممارسات الكفيل الاجرامية فرديّة و استثنائية أم هي ظاهرة متفشّية و منتشرة؟ و إذا كانت كذلك فما سبب ظهورها في بلد مهبط الوحي و منبع رسالة المساواة الانسانية؟

لا شكّ أنّ نظام الكفالة السّعودي بالرّغم من بعض التعديلات الّتي شهدها ، به كثير من الظّلم و يسمح للمجرمين بممارسة اجرامهم في ظلّ غياب عدالة ناجزة و عدم استقلالية القضاء و صعوبة التقاضي ، و غياب نزاهة مراكز الابلاغ مع تفشّي الفساد و الرّشاوي و المحسوبية و الوساطات إلى جانب انتشار العنصريّة المقيتة.

سلوك المنتحل لصفة الكفيل ،المريض المنحرف و الاجرامي، ما هو إلّا أعراض لسادومازوخية مستفحلة يعاني منها مثله مثل الكثيرين ممّن يعيشون في مناخات القمع و الاستبداد و الاستعباد.

ففي مثل هذه المناخات تعمل المنظومة المستبدّة المتخلّفة على أن تخلق بيئة حاضنة لها،طيّعة تقودها كقطيع حيث تريد و تقتطع منها من حين لآخر كلّ ناشز أو متمرّد قد يشكّل خطرا على بقيّة القطيع،ففي النّهاية لا تحتاج إلّا لراع و عصا غليظة و كاهن يبارك وكفيل اجنبي يحمي و يساند.

الأنظمة القمعية الكليانية المتخلّفة المستبدّة تعمل على انتاج مسوخ بشرية موتورة متوتّرة بلا عقل و لا حسّ تقاد بسلاسة كالدّواب لتُركب و تذبح حينما تسمن.

هي سلسلة من الظّلم، تجعل القويّ الغالب المتسلّط يمارسه على من هو أضعف منه ليفعل الأخير نفس الشيء مع الأقلّ منه درجة مادّيا و معنويا.

منظومة فاسدة مفسدة تعتمد عل الجهل المقدّس،هشّة كبيت عنكبوت،تستأسد أمام المستضعفين و تستجدي الأقوياء لكي يحموا مؤخّرتها و يؤمّنوا لها البقاء!

فلم واحد فقط جعل من تسمّي نفسها بالعظمى ترتبك و ترتعش و تستدعي ككلّ الانظمة الشمولية القمعية ،نظريّة المؤامرة و الأعداء المتربّصين و التدخّل الخارجي و تلتجئ لاسطوانة السيّادة الوطنية المشروخة و تجنّد كلّ كهنة البلاط و السّحرة و المرتزقة للذّود عن حمى الوطن و الدّين!

فلم واحد فقط جعل كلّ تلك الأموال التي انفقتها لتلميع وجهها القبيح تذهب في مهبّ الرّيح.

مليارات الدّولارات اهدرت في ما يسمّى بالترفيه و لجلب لاعبين اشرفوا على التقاعد، في حين يموت أهل غزّة جوعا و عطشا و حرقا و يتحوّلون إلى أشلاء بأسلحة يساهمون بطريقة ما في تمويلها و في حرب بشعة يدفعون لإطالتها حتّى تقضي على ما يعتبرونها خطرا وجوديا لهم و لكلّ الانظمة المستبدّة المستبيحة لشعوبها ألا و هي المقاومة.

لن تجد كاهنا واحدا من كهنتهم يستهجن أو يدين ما تعرّض له ذلك العامل فذاك و العياذ باللّه قد يفتح أبواب جهنّم و يجعل البعض يتعرّض و لو تلميحا الى ظلم وليّ أمرهم، و هم في المقابل قد اطلقوا العنان لألسنتهم للتشكيك في المقاومة و تجريمها و بعضهم كفّرها و أخرجها من الملّة و آخرون حرّموا حتّى الترحّم على القائد اسماعيل هنية شهيد الأمّة!

من شاهد حياة الماعز أحسّ بمعاناة العامل المظلوم فقد مسّت معاناته و ما يشعر به من قهر و ظلم،ففي الحقيقة في صحارينا الممتدّة من الخليج إلى المحيط و حيث ساد الظّلم و القمع و الاستبداد،كلّنا نعيش بدرجات متفاوتة حالة من الاستعباد و نحيا بطرق متشابهة تلك الحياة،حياة الماعز.

كلّنا ماعز، و أملنا في اللّه و في المقاومة و في الطّوفان.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات