هل تذكرون تلك الكاميرا الخفية الّتي كان موضوعها الزلزال و هل تتذكّرون تلك الحلقة الّتي استضافت رئيسنا الحالي قيس سعيد فأبهرنا بردود فعله المختلفة عن بقية ضيوف الحلقات الّتي سبقتها و الّتي تبعتها.
لا يمكن الحديث عن ثبات انفعالي أو برودة أعصاب متناهية، بل هو شبه انعدام لأيّ ردّة فعل طبيعية لإنسان طبيعي يتعرّض لخطر داهم و محشور في قلب الكارثة إذ كانت الأرض ترتجّ و الأصوات تدوّي و الأجسام تتحرّك و بعضها يتطاير و الضّيف لم تتحرّك له شعرة واحدة و لم ترتسم على وجهه أيّ علامات فزع أو حتّى استغراب و اكتفى بالتّساؤل : ماذا هناك؟ ما لكم؟
ظاهرة ملفتة تطرح احدى الفرضيتين:
إمّا أنّ الضّيف أخبر مسبّقا بالسّيناريو و بأنّها كاميرا خفية ليظهر في النّهاية بأنّه استثناء و خارق للعادة يمكنه مجابهة كارثة بحجم زلزال مدمّر بثبات لا مثيل له، ثبات مؤمن بقدره و قائد قادر صامد في أشدّ لحظات الخطر المحدق و الّذي لا تزعزعه رجات الزلازل مهما اشتدّت ، و قد بالغ المخرج في التركيز على ذلك بل أفقده الواقعية و القى بالمشهد في ضفّة الخيال و الاسطورة ، فحتّى الأنبياء و القادة العظام في الملاحم الكبرى و الكوارث العظمى انتابتهم الرّجفة و بعض الخوف و ارتعشوا بل و صرخوا و انهمرت دموعهم و لم تختف لديهم ردّات الفعل الطّبيعية البشرية في مواجهة الأخطار الجسيمة، ردّات فعل طبيعية مرتبطة بنسبيتهم و ضعفهم و بشريتهم.
في هذه الحالة فنحن أمام خدعة سينمائية و أمام ممثّل بارع ، خبيث و ماكر.
و إمّا أنّ الكاميرا الخفية كانت محترفة و متقنة بشكل يستحيل على الضّيف الموقع به أن يدرك أنّها لعبة و يقتنع بأنّها مشهد واقعي يعيشه ، و في هذه الحالة فردّة فعل أو تقريبا عدم وجود أيّ ردّة فعل وسط هول ما يقع و ما يجري حوله لا يمكن بالمطلق اعتبارها طبيعية أو تصدر من إنسان طبيعي، فهي عبارة عن غياب التفاعل الشعوري الملائم لوضعية مستفزّة مستثيرة للشعور و هو ما يمثّل أعراض التوحّد المرضي و كذلك متلازمة القطبية و البارانويا و الميڨولمانيا .
أي أنّه في هذه الفرضية نحن أمام حالة مرضيّة مستفحلة و متقدّمة.
نستحضر تلك الكاميرا الخفية لنعرّج على أخرى ظاهرة و تبرز كلّ مرّة ينوي قيس سعيد القيام بزيارة فجئية أو يدفعه الخاطر للقيام بجولة على القدمين ليتفقّد الرّعية ، كاميرا اخبار السماء او السكاي نيوز الّتي كانت في الموعد كما بعضا من أنصاره في استقباله و هو يقوم بجولة في شارع الحرّية، الّذي شهد ساعات قبل إطلالته البهيّة مظاهرة تندّد بحكمه و كذلك حرق شاب لجسده بعد أن سدّت في وجهه كلّ الأبواب.
زلزال وقع عشية ذلك اليوم في ذلك الشارع الّذي مشى فيه الرّئيس في موكبه و هو يتبختر فخورا ضاربا الأرض برجليه و كأنّ شيئا لم يقع و المرجيل يغلي و يكاد ينفجر، كان يتحدّث عن الدستور و هو يعتقد أنّ الشعب المتخيّل في ذهنه شبيهه من آكلي الدساتير ليكفيهم ذلك الظمأ و الجوع و الفقر و ليلقي كعادته كلماته الممجوجة الركيكة الّتي لا تسمن و لا تغني من جوع.
ذلك الزلزال الواقع هو شبيه بذاك الافتراضي و التفاعل هو نفسه المتميّز بغياب التفاعل الملائم لوضعية بعينها.
و هو ما يعني كما في الكاميرا الخفية أنّ الرّئيس منفصل عن الواقع و يعيش عالمه الخاص و لا يدرك حقيقة ما يجري حوله و بالتالي غير قادر على ادراك المعطيات و تقييم الوضع وعاجز عن التمييز و هو بمثابة المريض النفسي الذي يتمّ استغلاله كحصان طروادة لتحقيق أهداف من يسوسه،أو أنّه ممثّل مخادع بارع خبيث و ماهر بإمكانه خداع الجميع، و قد يكون مزيجا بين الإثنين إذ في بعض الأحيان يستثمر المريض النفسي في مرضه ليتمادى و يضيف إلى أعراضه اللّا ارادية بعض الأعراض الارادية الّتي يريدها كما الشّعب يريد ابتغاء منفعة يقصدها.
و ذاك أدهى و أمرّ.