استشهد أبو ابراهيم يحيى السّنوار، استشهد القائد البطل المغوار،تحقّق له ما تمنّاه و ما سعى إليه فنال ذاك المشهد العظيم،مات مقاتلا،مقبلا غير مدبر،ممتشقا سلاحه،مواجها لعدوّ مجرم يتحصّن داخل دبّاباته و يقصف بصواريخه و طائراته ،في رقبته كوفيّة و فوق صدره جعبة حرب ،كان فوق الأرض يقود المعارك صحبة رفاقه.
طالما روّجوا أنّه يختبئ في أنفاق عميقة و يتّخذ من أسرى العدوّ دروعا ،كما قيل أنّه ربّما يتّخذ ملاذا آمنا بين اللّاجئين المدنيين و كان هدفا طارده نصف العالم تقريبا بعتاده و تقنياته،ليبرز لهم بالصّدفة دون خيانة أو اختراق،كان ذلك في تلّ السلطان في رفح ليستشهد في قلب المعركة.
سقطت سرديّتهم الّتي روّجوا و الّتي تتلاقفها ألسنة المتصهينين العرب ، فكان رحيله أسطوري و نهاية مستحقّة لمن مثله ،ألم يقل بأنّه يخشى الموت على الفراش مثل البعير أو بجلطة دماغية أو بحوادث طرقات لكن لا يخاف الموت في سبيل اللّه و هو يقاتل أعداء الأمّة و الإنسانية،الم يكن منذ البداية مشروع شهادة؟
استشهد بعد مسيرة حافلة جمع فيها كلّ أشكال النّضال،بالكلمة و السّياسة و الكفاح المسلّح، كان العقل المدبّر صحبة رفيق النّضال محمّد الضيف لطوفان الأقصى ليكبّد العدوّ المحتلّ أكبر هزيمة عسكرية في تاريخه أطاح بها أسطورة الرّدع و أسقط صفقة القرن و أحيا بها القضية الفلسطينية بعد أن كادت أن تدفن.
ألم يكن دعاؤه:"اللّهمّ اكسر بنا شوكتهم ،و نكّس بنا رايتهم،و حطّم بنا هيبتهم" ليتحقّق له ذلك و يختمها بمشهد يليق بالعظام أمثاله.
قد تبرّر فرحة العدوّ الصّهيوني المحتلّ و انتشاؤه رسميّا و شعبيّا ،و قد يفسّر ترحيب الدّاعم الامريكي و الغربي بالتخلّص من أحد أهمّ العقبات الّتي اعترضتهم و آلمتهم ليتبادلوا التّهاني فيما بينهم،لكن ما الدّاعي لأن يبرز المتصهينون العرب و المطبّعون شماتتهم بكلّ صفاقة مقرفة!
استهجنوا وصف القائد اسماعيل هنية بالشّهيد،ثمّ جرّموا الترحّم على السّيد حسن نصراللّه و اليوم يفرحون أكثر من فرح الصّهاينة أنفسهم باستشهاد القائد يحيى السّنوار! أيّ عار هذا و أيّ شنّار!
اتساءل و يعجزني السّؤال،من أيّ طينة هؤلاء؟ أتجمعنا نفس اللّغة و الدّين بل و الإنسانية؟ لا تشمتوا يا أشباه الرّجال،يا مخصيين ،يا أنذال،يا نفايات متعفّنة لن تجد لها مكانا حتّى في مزبلة التّاريخ.
ما حصل للقائد السّنوار هو شهادة فخر و شرف عظيم في مسيرة نضاليّة و وسام مستحقّ في درب الكفاح ،نحت بها أيقونة ستبقى محفورة في مخيال أجيال و أجيال لتثمر ألف سنوار و سنوار.
لا أدري كيف يعتقد هؤلاء بأنّ المقاومة يمكن أن تخفت ثمّ تختفي باختفاء بعض قادتها و كأنّهم لم يقرؤوا التاريخ،ألم يستشهد القسّام،و الحسيني و أبو جهاد و الشيخ ياسين و عرفات و الرنتيسي و هنيّة و نصر اللّه؟فاستمرّت المقاومة بل ازدادت توهّجا،هي متجذّرة باقية ما بقي الزّيتون،لتلفظ الأرض الطّاهرة الأعشاب الطفيلية الدّخيلة و تتخلّص من دنسها.
المقاومة ستبقى ما كان هناك احتلال حتّى دحره و هي فكرة و الفكرة خالدة لا تموت،فكرة تحفر في صبغيات الجنين و تمرّر عبر حليب الأمّ و تلقّن لغة و تمارس فعلا.
عاش يحيى حيّا و قد أخذ الكتاب بقوّة و سيمرّره لمن هو ربّما أشدّ منه قوّة.
عاش يحيى حيّا و مات حيّا محاولا إحياء أمّة الأموات عسى أن يستثيرها الطّوفان فتنهض و تستفيق من السّبات.