ما لم يذكره كمال الدّين الدّميري في قصّة الضبّ و الأرنب و الثّعلب و التمرة الواردة في كتاب "الحيوان الكبرى" أنّ أبا الحسل لم يكن بتلك الحكمة و الفطنة و سرعة البديهة و سحر البيان و ذلاقة اللّسان، فالمعروف عنه هي البلاهة و الحمق و العقوق ،فيقال "أبله من ضبّ" و "أضلّ من ضبّ" و "أعقّ من ضبّ" و يوزع ذلك إلى ضعف ذاكرته إذ كثيرا ما يتيه نتيجة لعجزه على تبيّن طريق عودته إلى جحره و هو كان أيضا يعمد إلى قتل صغاره عند خروجها من البيض لاعتقاده أنّها أحناش ، فما السرّ وراء هذا الانقلاب في المزاج و التقلّب في الانطباع تجاه من يضرب به المثل في البلاهة ليتحوّل الى قاض يفصل بين الحيوانات و حاكم بأمره لا مردّ لحكمه؟
كان الضبّ أو السّبحل العداملي يعيش مسالما رفقة أنثاه المكون في جحره ، و لم يعرف من المنغّصات في حياته سوى بعض الهواجس الّتي تطارده من حين لآخر و المتمحورة حول شكله، فهو المصنّف من الزّواحف والحرشنيات و الحرذونيات يرى في نفسه تمساحا عظيما من أعالي النّيل و هو أقرب إلى الدّيناصور عندما ينتصب و يقف على قائمتيه الخلفيتين، شعور كان يختمره فيطرده و يكبته إلى أن جاورته في الجحر بعض السّحالي و عقرب سوداء ساكنته جحره مقابل أن توفّر له حماية من أعدائه و نظير ذلك كان يستدرج لها بعض الفرائس.
استغلّت السّحالي و العقرب نقاط ضعف الضبّ لتعزف على الأوتار و تسمعه ما يحبّ و تطرب أذناه حتّى نسي اسمه و جنسه و صفته و اقتنع يقينا بأنّه فعلا ديناصور من الزّمن الغابر و تمساح ضخم لا مثيل له و نابغة زمانه و فطحل عصره.
ملكه هذا الشعور فانتفخ حتّى ضاق به جحره و قرّر بعد أخذ و ردّ بأن يوسّع ملكه، فمن غير المنطقي أنّ تنحسر سلطة ديناصور و في نفس الوقت تمساح في جحر ضيّق تحت الأرض و فوقها أحمرة تركض و أرانب تلعب و ثعالب تمكر و أسود في أقفصتها جعلت للفرجة في السّرك!
لم يكن صعبا محو صورته السلبية المنطبعة لدى عامة الحيوانات و إبدالها بأخرى و قد قامت العقرب و السّحالي بذاك الدّور على أحسن وجه فتوجّهت إلى كلّ ركن من الغابة تبشّر بظهور الدّيناصور المنتظر و التمساح العظيم القادر على أن يسبح و يركض و يطير!
و من حينها لم يخرج الضبّ من جحره لتأتي الحيوانات من كلّ فجّ عميق يبايعونه و ابتغاء للحكمة و لقضاء حوائجهم.
و هكذا صار الضبّ حاكما بأمره يقضي كما يشاء و بما يشاء و لذلك أتته الأرنب تشتكي الثعلب بعد أنّ افتكّ لها الثمرة.
و للّه في خلقه شؤون.