لا تظنّهم مجانين مغفّلين ، يخبطون خبطا عشواء و لا يدركون ما يفعلون! كلّ خطواتهم مدروسة و مضبوطة وفقا لآخر ما توصّلت إليه مختبرات التوجيه و التحكّم و الدّعاية السّوداء.
"اكذب ...اكذب حتّى يصدّقك النّاس" هكذا قال غوبلز وزير اعلام الفوهرر الّذي صعد عبر الصناديق و من باب الديمقراطية ليقفل الباب وراءه و يحوّلها الى أحد أشدّ الدكتاتوريات الفاشية في القرن العشرين احترق بلهيبها العالم أجمع، شعبوية قاتلة ارتكزت على فرضية تفوّق العنصر فصارت حقيقة لدى من يحملها لوجود قابلية جامحة لاستقبالها فصار الانسان ينحر أخاه و هو مطمئنّ الضمير بل يسعد و يرتاح لذلك.
“لا تقع ضحية المثالية المفرطة وتعتقد بأن قول الحقيقة سوف يقرّبك من الناس، الناس تحبّ وتكافئ من يستطيع تخديرها بالأوهام. منذ القدم والبشر لا تعاقب إلاّ من يقول الحقيقة، إذا أردت البقاء مع الناس شاركهم أوهامهم ، الحقيقة يقولها من يرغبون في الرحيل.” هذا ما قاله نيتشيه و هو ما يفسّر استعداد الجمهور لتقبّل الوهم و الكذب و الدّجل حتّى و لو قيل له ما لا يتقبّله عقل أو منطق و يصمّ الآذان عن سماع الصدق و الحقيقة و لو كانت صادحة و يغمض عينيه عنها و لو كانت ساطعة.
من صدّق أنّ عميلا صهيونيا أسقط عميله ليلة انتخابه و منعه من دخول قصر قرطاج ليصعد غريمه صاحب الصيحة الشهيرة " التطبيع خيانة عظمى" يمكن أن يصدّق حكايات الخبز و البيضة و الطرد المسموم و المائة داعشي المرابطين في الوطية و الصاروخ التركي الّذي سيأمر بإطلاقه الغنوشي باستعانة من بعض الاخوة الليبيين و مشاركة الموساد.
كيف لا يصدّق ذلك من صدّق أنّ للغنّوشي 27 الف مليار و للعريض اطنان من الياقوت و مصادرة ما لديهما تكفينا مذلّة التسوّل لتوفير كلفة الأجور؟
كيف عجز الحاكم بأمره ، قائد الجيوش و القاضي و المشرّع، صاحب الصّواريخ الجاهزة للاطلاق، على ايجاد دليل واحد يورّط الخصوم و يريحنا ممّا نحن فيه من هموم!
يكذبون...لا...لننسى الموضوع و ننتقل الى كذبة أخرى تنسينا الأولى...الجمهور ينتظر الكذب و ليس له استعداد إلّا لسماع الكذب ، لقد تعوّدت الآذان على ذلك و ارتاحت النّفوس بذلك و تلفظ غير ذلك.
تبتدئ الحكاية بكذبة محبوكة قد تجد صدّا من ذوي العقول لتتدرّج إلى كذب يومي يتجاوز اللّامعقول يلقى لدى المتلقي كلّ الترحيب و القبول.
ان تشترك الموساد مع حماس في نفس هدف اغتيال الرّئيس يجعل المنطق يفرّ هاربا لكنّ ذلك بالنّسبة للجمهور المتلقّي المغيّب مستساغ و مقبول!
أمّا عن التّركيز الكلّي لمجاميع الالهاء و التوجيه و الدعاية السوداء على قضية الاغتيال و استهداف شخص الرّئيس فهو الى جانب كونه ركنا أساسيا في صناعة المستبدّين و الشحن العاطفي المزيّف فهو استمرار لنهج الشخصنة و عمليّة اختزال لكلّ الوطن في شخص الرّئيس، فالخطر جاثم و و جودي و يهدّد الجميع و هو المنقذ و هو الأمل و هو الحياة و هو الوطن. فإذا ما تهدّد في شخصه فقد تهدّد كلّ شيء و انهار كلّ شيء و ضاع كلّ شيء.
سأكذب عليك سيادة الرّئيس و سأكذب عليهم كما يريدون و كما الشّعب يريد فصدّقني و صدّقوني: " كلّنا فداك سيادة الرّئيس".