سؤال صعب يطاردني منذ فترة يحاصرني من الجهات الست أرقّ مضجعي و افقدني تركيز ي ممّا جعلني شارد الدّهن أبدو كمن أصابه بعض الخبل و يقينا أن من لم يزل يحتفظ بذرّة عقل في هذا الزمن المجنون يلاحظ بسهولة ما أصابني من خلل و يمكنه أن يضعني في خانة الغير طبيعي، الاستنتاج الّذي كان ذاته نفس السؤال الذي أوصلني إلى حالتي التي أنا فيها!
هل أنا مواطن طبيعي؟
و ما معنى أن أكون مواطنا طبيعيا و ما الشروط التي تجعلني أفوز بشرف الصّفة؟!
منذ فترة في زمن ارتياد سيادته للمساجد و المقهى و المخبز كان يطلّ علينا و هو يستقبل مواطنا "حافا" ليتّضح فيما بعد أنًه عضو في حملته الانتخابية و التفسيرية و أحد مريديه ثمّ انتقلنا حاليا إلى مرحلة النعث و الوصف بإضافة صفة الطبيعي على المواطن تماما كما تضاف إلى بعض السّلع للتنميط و التسويق.
أن تكون طبيعيا بالمفهوم القيسي التعيس يعني أن تصبح ليّنا طيّعا تسلّمه ناصيتك ليفعل بها ما يشاء ، لا ترفض له أمرا و لا تلوي له عصا .و تنفّذ ما يصدره من أوامر دون نقاش أو استعانة بعقل الذي عليك أن تضعه في ثلّاجة فلا حاجة لك إليه إلّا ربّما عندما تشتهي عجّة مخ، أمّا عن صخب النقاش و المقارعة و المجادلة فيكفي منها بعد أن صدعت رؤوسنا خلال عشرية الحرّية "الكلبة" و يكفينا في ما بقي لنا من عمر أن نفتح افواهنا عند معالجة أسناننا أو للأكل!
وهل نحتاج بعد اليوم إلى النطق أو السؤال أو إلى عقل و فينا من ينطق ويفكر عوض عنّا و كفانا مشقًة ذلك و هو الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و من خلفه و لا ينطق عن الهوى، بل لا يسأل عمّا يفعل و هم يسألون!
أن تكون طبيعيا يعني أن تصطف كدابّة طيّعة في القطيع، لا تصكّ و لا تنطّ ،تنتظر بما يمنّ عليك الرّاعي من علف و لا تكثر من الثغاء أو النباح أو المواء لأن مصيرك سيكون العزل أو الذبح و السلخ، أما نجاتك ففي الولاء و الخضوع و الخنوع واحترام نواميس محمية الحيوانات الطبيعية فتأمن حينها وتقي نفسك سهام الصيد و فخاخهم!
أن تكون مواطنا طبيعيا يعني أن تكون دابة في هذه المحمية الطبيعية التي نحن على وشك مشاهدة إعلان ميلادها بعد اصدار شهادة وفاة للجمهورية.
أهلا بكم في محمية افريقيا الطبيعية…وداعا للجمهورية.