إلى حدّ اللّحظة مازلت أسير تلك اللّحظة، و كأنّ الزّمن توقّف و كلّ ما في ذاكرتي امّحى لتنطبع تلك الصّورة ،ذاك المشهد و تلك اللّقطة.
الملثّم و هو يرمي بعصاه لتلقف إفكهم ،دجلهم و سحرهم و ترسم مشهدا ملحميا أسطوريا تجاوز حدود المكان و الزمان ليطير حرّا كالفكرة.
ما أثر عصا خشبية على مسيّرة أو مدرّعة من حديد؟ ما تأثيرها حينما ترمى بساعد مجهد و جسد أثخنته الجراح امتطى كرسيّ الرّحيل بعد أن استنفذ كلّ مجهود؟
اذاك نطقه للشّهادتين في كلّ حين و قبل أن يغرغر و يرتقي شهيدا، ربّما فعصا موسى لم تكن بطلسم أو سحر و انّما كانت عصا التّوحيد.
للّه درّك يا أبا ابراهيم ،أيّها الملثّم بذاك الوشاح، كيف ذكّرتنا بالمغيّب و المنسيّ من الآذان، حيّ على الكفاح، أصلاح و فلاح دون كفاح؟
للّه درّك يا أبا ابراهيم، كيف لقّنتنا درسا على المباشر، كيف تحيا حيّا و تموت حيّا ،و كيف تقفز على الجراح.
كيف أنعشت بطوفانك القلب و أعدت له النّبض.
رميت عصاك و كنتَ متيقّنا أنّ هناك من سيلتقطها و قد فعل ذلك الكثيرون و آخرهم كان اليوم اسمه فاعل من الرّمي و لقبه حافظ للزّرع، أصيل هذه الأرض، امتطى كرسي شاحنته و دهس من الطّفيليات عددا يثلج الصّدر.
رامي النّاطور ،أربعيني من قلنسوة التقط عصاك يا أيّها الرّامي الشّهيد ليرميها بدوره فيلتقفها رماة آخرون ذاك أكيد، حتّى خطّ الوصول، لن يكون رامي الأخير و لن يكون الوحيد ،مئات الرّماة ينتظرون دورهم على أحرّ من جمر، حتّى النّصر الموعود و ما ذاك إن شاء اللّه ببعيد.