لو سمحتم...سؤال من فضلكم ،أريد أن أوجّهه لبعض الأصدقاء ممّن اختاروا منذ مدّة أو هم بصدد إختيار قرار الانسحاب و الجلوس على الرّبوة للاستمتاع بمشاهدة مسرحية العبث و الفوضى، ماهي مقاربتكم لمواجهة ما يجري و خطّتكم البديلة لإنقاذ ما يمكن انقاذه؟
عوض شحذ السكاكين و تجهيز السّياط لجلد من خالف خياركم و اعتلاء صخرة سقراط لمخاطبة جمهور تعتبرونه قاصرا ، فتشبعونه تقريعا و تأديبا و تذكّرونه بفراستكم و رجاحة عقولكم و كيف كانت المآلات حينما لم تتّبع نصائحكم و وصاياكم، أنيرونا من فضلكم.
• أليس من الواضح لكلّ ذي عقل أنّ الطّريق كان مسدودا؟
• كيف لمن له عقل أن يعيد التجربة بنفس الأسباب و ينتظر أن يتحصّل على نتيجة مختلفة؟
• كيف تنتظرون عسلا من مؤخّرات الدّبابير؟
• كيف لانقلاب غاشم أن يزال بصندوق و انتخاب؟
• كيف لمنقلب على الدستور و القانون أن يحترم الدستور و القانون؟
• كيف لمن بلغ باجرامه حدّ الخيانة العظمى أن يسلّم رقبته و عصابته طواعية و بسهولة للمحاسبة؟
• أسئلة منطقيّة و معقولة في ظروف عاديّة تخضع للمنطق و العقل، لكن في حالتنا الحاليّة أين هو هذا المنطق و العقل؟
ألم ندرك منذ اللّحظة الأولى لليلة النّكبة بأنّه إنقلاب مكتمل الأركان فخرجنا الى الشّارع متأخّرا و قد سبق السّيف العدل ، فالانقلابات لا تدحر الّا في ساعاتها الأولى كما حدث في تركيا أو بوليڤيا حينما واجه رئيسها المنقلب و كان مسنودا من شعبه، في حين وقف شيخ تسعيني أمام باب البرلمان الموصد بدبّابة و كان وحيدا ليصير محلّ تندّر و تنمّر من قبل من هلّلوا لذاك الانقلاب يومها و انقلبوا اليوم عليه بعد أن تذوّقوا مرارته.
ألم نجرّب المقاطعة في الاستفتاء على دستور المنقلب و في الانتخابات البرلمانية فلم تمنع نسب المشاركة المتدنّية من الاستمرار في التجريف و الهدم و العبث بوطن صار مهدّدا في وجوده؟
ألا تعلمون أنّ هؤلاء لا تهمّهم شرعية و لا مشروعية و لا نسب مشاركة و أنّ ما يسعون اليه هو استقالة عامّة من الحياة العامّة؟
من قال أنّ ما يجري هي معركة انتخابية؟
هل ترون أنّ لها أيّة صلة نسب بالانتخابات قبل وصفها بالنزيهة و الحرّة و الشفّافة؟
إنّ ما يجري من حراك و اشتباك و مقاومة، بمشاركة البعض في الترشّح في ظرف صار فيه مكلّفا ،و قد يؤدّي بصاحبه إلى السّجن لمجرّد أن طرح نفسه بديلا لمن يعتقد أن لا بديل له!
أو إسناد البعض لهؤلاء في ظلّ مناخ الترهيب و التضييق و الملاحقات، و كلّ الجدل الّذي صار يثار في الأماكن العامّة بعد أن تحوّلت لفترة إلى مقابر، و تلك المعارك القانونية الّتي تخاض بالرّغم من أنّها محسومة النّتائج، و بعض الأصوات الّتي صارت تغرّد خارج السّرب و مقالات الرّأي الّتي صارت تكتب عن تونس و أزمتها في الدّاخل و الخارج، و علامات الإرتباك و التخبّط و اللّخبطة الّتي صارت سيمة النّظام الانقلابي ، هي نتائج مباشرة لهذه المعركة الغير متكافئة و الغير تقليدية تماما كطوفان الأقصى!
هي ليست بالمعركة الانتخابية بل هي سياسيّة لإحياء السّياسة و معركة وعي للحفاظ على بعض مؤشّراته الحيويّة و هي معركة غريق يتشبّت بالحياة و مختنق يبحث عن حفنة هواء.
دعوا الشّعرة الّتي تربطنا بهذا الوطن متّصلة و لا تقطعوها؟
دعوا بعض من يهتمّ بالشّأن العام يستمرّ في ذلك و لا تدفعوهم لاعتزاله ليصبح شأنا خاصا يحرّم الخوض فيه و هو ما تسعى إليه كلّ الانظمة الاستبدادية الكليانية الفاشية!
ليس بعبث أو سقوط في اللّاجدوى ما يتمّ في مواجهة كمّ هذا العبث و الفوضى، ليس بالغباء و لا بالسّذاجة و قد سبق أن اتّهم سيزيف بذلك و هو يرى صخرته تتدحرج إلى سفح الجبل كلّما اقترب من القمّة ليعيد الكرّة إلى ما نهاية!
كان سيزيف بفعله يقيّد يدي ثاناتوس بالأصفاد و يمنع الموت لفترة.
اعتبرونا سيزيفيين يؤجّلون موت هذا الوطن فهاتوا ما يمنحه الحياة!
لو سمحتم أجيبوني!