نقاش حاد أثاره اقتراح الرّئيس بالتبرّع بيوم عمل لفائدة الدّولة كمساهمة من الأفراد في عمليّة انقاذ البلاد و تفادي التمادي في سياسة الاعتماد على القروض و الشحاذة كنت شاهدا على بعض منه في المقهى.
"كلام فارغ، و الشعب المفقّر هو دوما من يضحّي و يدفع ، يستهدفون الاسماك الصغيرة الضعيفة و يتركون الحيتان الكبيرة و القروش. " قال أحدهم على يساري. " كيف لمن يصرف مرتّبه في يوم واحد ليسدّد ديون الشهر الفارط ان يجد ما بتبرّع به، ثمّ ألم يكن بالامكان البدء باسترجاع الاموال المنهوبة و إدخال الاقتصاد الموازي في الدورة ، و تعديل السياسة الضريبية لجعلها عادلة و ناجعة،و التحجيم من عدد الوزراء و المستشارين و الموظفين الذين لا يقومون بشيء سوى غنم أجر عمل لم ينجز؟" ردّ صديق لي على اليمين.
ليتدخّل آخر جالس قبالتي و يضيف:"ارجاع قطاع الفسفاط الى مستواه الاقتصادية الانتاجي المعتاد و الكفّ عن الاضرابات العشوائية و اعلاء قيمة العمل لينجز كل منّا ما هو مطلوب منه يكفي و يغنينا عن هذا الهراء و المزايدات" ليتدخّل ناذل المقهى و يدلو بدلوه ككلّ مرّة:" الم أقل لكم أنّ عهد بن علي أفضل " فينطق صديقي المصاب ببعض الحول الايديولوجي:"اقتطع من عرقنا سابقا ليصرف تعويضات على الاخوانجية و لن نسمح بذلك مجدّدا". ليعرّج وافد عابر:"لو صرّح بما قال في حملته الانتخابية لما فاز".
كنت صامتا استمع لما يقال الى أن صمتوا موجّهين نحوي السّهام و كأنهم ينتظرون منّي تفسيرا و تعقيبا على ما قيل و يقال. قلت بعد رشفة من قهوتي السوداء و نفس عميق من سيجارتي صفاء:"ما لكم يا سادة اختزلتم كلّ الخطاب في اقتراح قد يقبل أو يرفض،ألم ترون أنّه كان رائعا و مفيدا شكلا و مضمونا،ألم تستشعروا رسالاته المباشرة و المشفرة ،المطمئنة للداخل و الخارج،تثبيت الحريات و الدفاع عنها، ترسيخ علوية القانون، استمرارية الدّولة و منع انهيارها،محاربة الفساد، الثورة الثقافية و القيّمية، السّيادة الوطنيّة و استعادة القرار و استبعاد الوصاية، الاعتراف بالتعهدات مع مراجعة المعاهدات بما يضمن حقوقا كانت منتهكة، مساندة القضايا العادلة و على رأسها أمّ القضايا،فلسطين المغتصبة.
بعض الكلمات أنستكم ما قيل في فقرات! ثمّ الستم انتم من تتباكون على وطن يتهاوى و تدّعون استعدادكم للتضحية من أجله؟ هو اقتراح من رئيس يعلم حدوده و اختصاصاته،رحم الله زمنا كان الرّئيس يفصّل و يلبس على هواه و مقاسه،هو للاستثارة و القدح و لتحريك المياه الراكدة،لولا ما قال لما خضتم في كل ما خضتم فيه و لما طرحتم الاشكاليات و المشاكل لتبان بعض الحلول.
لا تستهينوا بالكلمة و تذكّروا حالة الوعي التي عشناها و نعيشها نتيجة لبعض الكلمات و العبارات الصادقة. نعم سيضحّي كلّ منّا بما يقدر حين يشعر بأنّ من بضحّي لأجله يعنيه و هو جزء منه و حين يبصر بعض ثمرات تضحيته حتى و ان لم تنضج لتبقى لأبنائنا ليقطفوها و يأكلوها هنيئا مريئا." سكت الجمع و كأنّ على رؤوسهم الطّير لنتفرّق و لتجدني أقرأ ما قاله الطبّوبي في ما اعتبر مطبّة:" الّي يشتهي شهوة يعملها في عشاه"لأستفيق من حلاوة كلام الرّئيس على رائحة عفن واقعنا التّعيس.