جريمة أخرى تهزّ فرنسا و العالم ، سيكون لها تأثيرها الكبير على المسلمين في فرنسا و في أوربّا و مزيد من التّضييق على حقوقهم المدنيّة بعد سلسلة الإجراءات التعسّفية الأولى الّتي اتّخذها ماكرون ضدّ ستّة ملايين مواطن صاروا خارج التّصنيف، تلميذ ذو ثمانية عشر سنة لاجئ مسلم كما يروّج من مواليد موسكو و من أصول شيشانية، يذبح معلّمه في مادّة التّاريخ بعد أن استعمل هذا الأخير الرّسوم سيّئة الذّكر المسيئة للرّسول الأكرم صلّى الله عليه و سلّم في حصّة لتوضيح حرّية التّعبير و المعتقد،جريمة وقعت في ظلّ مناخ يسوده الحقد و الكراهية و اسلاموفوبيا تنمو برعاية رسمية من الرّئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون" نفسه الّذي تلقّى صفعة شديدة الأسبوع الفارط ليستعيد حيويّته هذا الأسبوع بفضل هذه الجريمة الحمقاء!
فمن هو الجاني ومن هي الضّحية أو من هم الجناة و من هم الضّحايا و من المستفيد أو المستفيدون ممّا جرى و ممّا يجري؟
_خطب الشّيخ "ماكرون":
يوم الجمعة 2 اكتوبر2020 اعتلى الشّيخ ماكرون المنبر ليلقي خطبة عصماء بلغة موليار تحدّث فيها كخبير متمكّن لا تفوته شاردة و لا واردة عن الإسلام مشخّصا أزمته الرّاهنة و منبّها لمخاطره على قيم الجمهورية الفرنسية الخامسة،حديث عن الرّاديكالية و التطرّف و الانعزالية و دقّ لجرس الانذار أمام استشعاره رغبة البعض تهديد النّمط المجتمعي الحداثي المستنير، قال الشّيخ "ماكرون" : " إنّ الإسلام يعيش اليوم أزمة في كلّ مكان بالعالم، وإنّ على فرنسا التصدّي لما وصفها بالانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار الجمهورية الفرنسية".
وأضاف: " إنّ في ما وصفها بالنّزعة الإسلامية الراديكالية عزما على إحلال هيكلية منهجية للالتفاف على قوانين الجمهورية الفرنسية، وإقامة نظام مواز يقوم على قيم مغايرة، وتطوير ترتيب مختلف للمجتمع، على حدّ تعبيره".
كلام ماكرون ليس بغريب فقد سبقه البعض بقوله بلسان عربيّ فصيح، في حين ثمّنه البعض الآخر في أبو ظبي والمنامة و الرّياض بل وزايد عليه آخرون بوصم نصف مسلمي أوربّا بالتطرّف والإرهاب كما فعل ذلك مفتي الدّيار المصريّة..
وكان مقرّرا أن يدعم تلك الخطبة بأخرى في الجمعة الّتي تلتها عندما ذهب لاستقبال الأسيرة المحرّرة صوفي ليجد نفسه أمام مريم المسلمة، صفعة مؤلمة فرملت اندفاعه وأجّلت ما كان ينويه من تصعيد في انتظار ما ستأتيه الأيّام الحبلى من جديد.
والشّيخ ماكرون الّذي نَصّب نفسه أو نُصّب إماما خطيبا في بلد يدّعي العلمانيّة ويرفع شعارات الحرّية والأخوّة والمساواة كان لا بدّ له من موضوع خطبة لجمعة يوم 16 اكتوبر 2020يعوّض خسارته في موقعة مطار" فيلاكوبلاي" ويشحذ الهمم في حربه الضّروس ضدّ الظّلامية والارهاب الاسلامي.
حادثة تكون صادمة تحشر الإسلام والمسلمين في الزّاوية وتعيدهم إلى موقع المتّهمين المدافعين عن أنفسهم والمجبرين على تقديم قرائن براءتهم، ولتسكت بعض الأصوات الدّاعية إلى الحكمة والتعقّل والكفّ عن خطاب الحقد والكراهية وتكون الدّليل القاطع على أنّ الإسلام هو مصدر الإرهاب وأنّ المسلمين إرهابيون ويمثّلون خطرا محدقا يتهدّد المجتمعات الحداثيّة المتحضّرة، المستنيرة المتمدّنة في فرنسا وفي أوربّا وفي أيّ مكان يتواجدون فيه ولو كان المرّيخ!
حادثة بقوّة تأثير صدمة الهجوم على صحيفة شارلي ايبدو حتّى وإن لم تكن بنفس الحجم فصورة مشهد ذبح ورأس مقطوعة تكفي لاستثارة الأدرينالين لدى الأشدّ برودة وتمسّكا بثباتهم الانفعالي وخلق حالة من الرّهاب لدى عموم الجمهور خصوصا المشكّكين في مشروع ماكرون الوحيد كمحارب شرس للإرهاب الإسلامي بعد أن ذابت كلّ المشاريع الأخرى من مواجهة أزمة جائحة الكورونا ومعالجة التدهور الاقتصادي وانحسار دور فرنسا خارجيا.
مكوّنات العمليّة الكيميائية متوفّرة و المناخ ملائم و يكفي بعض التّفعيل أو مجرّد ضغط على الزرّ، أستاذ تاريخ يستخدم الصّور المسيئة للرّسول الأكرم لعرض درسه حول حرّية التّعبير و المعتقد ليستثار تلميذ ذو أصول شيشانية و يردّ الفعل على طريقة الردّ الفعل البافلوفي بذبحه و فصل رأسه عن جسده ليقتل الشّاب بعشر طلقات و كان من الممكن القبض عليه حيّا للتثبّت من دوافعه و كشف من وراءه و دراسة الظّاهرة الإرهابية لمعالجتها إن وجدت نيّة صادقة لذلك ،لكن مقتضيات المسرحية تتطلّب تغييب القاتل و المقتول لكي يتمكّن الشّيخ ماكرون من إلقاء خطبته الجديدة حول الإرهاب الإسلامي و أزمة الإسلام المستفحلة.
فالجمعة مقترنة بالسّواد منذ كان الإعلام الفرنسي بالأبيض والأسود فهو يوم الجريمة والعنف والجنس والأعمال القذرة!
_من المستفيد من الجريمة؟
جريمة بشعة بالفظاعة الأقصى كانت شرارتها ودافعها الظّاهر حسب الرّواية الفرنسية الرّسمية الدّفاع عن رسول الله منفّذها تلميذ مسلم استنادا إلى جذوره الشيشانية خصوصا بعد أن سمعوه يكبّر وهو يقترف جرمه الشّنيع وقد وجد الوقت الكافي ليصوّر فعلته ويبثّها عبر هاتفه، والضّحية أستاذه في مادّة التّاريخ الّذي لم يجد من وسيلة لتبيان حرّية التعبير إلاّ تلك الرّسوم المسيئة لرسول الرّحمة.
لم أشاهد يوما تلك الرّسوم وكنت دوما أغمض عينيّ تفاديا لرؤيتها عندما تعترضني صدفة لكنّني متأكّد من أنّها ترشح حقدا وتشويها فجّا وقذارة لامتناهية وتدنيس لصورة مشرقة ستظلّ كذلك برغم كلّ محاولاتهم تلويثها، يدّعون أنّهم بذلك يمارسون حرّية التّعبير الّتي لا حدود لها ولا خطوط حمراء تقيّدها، فماذا عن المشكّكين في حقيقة الهولوكوست وما كان مصير الفيلسوف" روجي غارودي "والمفكّر" روبير فوريسون" والصحفي" موريس سيني" الّذين اتّهموا بالتّحريض على الكراهية ومعاداة السّامية؟
لا شكّ بأنّ تلك الصّور أرادت أن توصم من بعث بأسمى رسالة إنسانية بكلّ الصّفات المنافية للإنسانية من شهوانية مفرطة وتوحّش وعنف وقطع للرّؤوس، فالرّسول المبعوث رحمة للعالمين من كان على خلق عظيم بشهادة ربّ العالمين ومن أرسل باقرأ لنقرأ ولنتبيّن ونتأمّل ونتفكّر حوّلوه إلى قاطع للرّأس والدّفاع عنه يكون بقطع الرّأس!
الجريمة البشعة الّتي وقعت مساء الجمعة16أكتوبر2020 في"كونفلان سانت أونورين" شمال غرب باريس، مستنكرة ومدانة بكلّ المقاييس حتّى ولو كان عنوانها الدّفاع عن الرّسول الأكرم الّذي لا يحتاج إلى دفاع بمستوى هذا الغباء، كذلك القضايا العادلة تُخسر بمحامين فاشلين أو متآمرين، ولو كان الرّسول حاضرا بين ظهرانينا لأنكرها حتّى وإن استمات المتمسّكين بالفهم التراثي القاصر المتكلّس باستحضار حديث واقعة قتل كعب ابن الأشرف.
الرّسول الأكرم صلوات الله عليه وسلّم الّذي تعرّض ككلّ المرسلين لكلّ أشكال الاهانة والسّخرية والاستهزاء ليواجهها بالصّبر والكلمة الطيّبة والدّعاء لمستهدفيه بالهداية كما وقع في الطّائف حينما رفض أن يطبق الملك على أعدائه الأخشبين عسى أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا.
كيف لتلميذ أن يقطع رأس أستاذه؟ من المستفيد من ذلك؟ إشباع لرغبات بعض الموتورين المسجونين في دائرة ردّ الفعل الغريزي أو لبعض المتعصّبين الغلاة من ينفون العقل وينكرون كلّ تجديد للفكر ويجرّدون الإسلام من كلّ بعد مقاصدي وجعله منفورا ومحشورا في زاوية إلى جانب الطّغاة من يرفضون الإسلام الحيّ الحقيقي من ينفخ في منتسبيه الحياة ويحرّرهم.
كيف للرّسول بأن يرضى بأن تُقطع رأس إنسان لمجرّد ردّ الاعتبار حينما تكون بابا لقطع رؤوس ملايين آخرين والتّضييق عليهم وخنقهم وهو الّذي كان كلّ همّه أمّته حتّى في لحظات الاحتظار؟
التطرّف يغذّي التطرّف فهذا "مانويل فالس" يدعو جميع وسائل الإعلام إلى نشر تلك الصّور المسيئة وذاك "ماكرون" المنتشي بما وقع ينتعش بعد أن قدّم له ذاك الشّاب طوق النّجاة بتلك الجريمة النّكراء ليجدّد وصمه للإسلام بالإرهاب والظّّلامية.
حصل الماكر ماكرون على بغيته ووجد ريبوتا ينفّذ ما يسعى إليه ليستمرّ في سياسته الفاشية العنصرية المستهدفة للإسلام والمسلمين ويمعن فيها وقد وجد تشجيعا من قبل بعض من يدّعون أنّهم مسلمين وصاروا ينتظرونه بلهفة كلّ جمعة للاستماع إلى إحدى خطبه.
يقول المفكّر الفرنسي"فرانسوا بورغا": "ثمّة هجمات أخرى قادمة على الأرض الفرنسية لأن النّخبة السّياسية والإعلامية الفرنسية بتكبّرها مصرّة على إنتاج هذه الهجمات"
يبدو انّه سيكون لنا موعدا كلّ جمعة مع خطبة لماكرون.