لو كان كمال الدّين الدّميري صاحب تحفة "حياة الحيوان الكبرى" يعاصرنا لأضاف لقصّة الضبّ و الأرنب و الثعلب و التمرة فصولا أخرى، و لأوضح لنا بعض المسائل الّتي يكتنفها الغموض و ينزع عنها اللّبس، كأن يشرح لنا مثلا كيف يطمع الثعلب في التمرة و يتجاهل صاحبتها و كأنّه تحوّل إلى نباتي وديع و هو اللّاحم المخادع الماكر، أو أن يصبغ على الضبّ صفات الحكمة و النّباهة و الرّزانة و الوقار و البلاغة، المتناقضة تماما مع ما يعرف عنه من حمق و بلاهة و ثقل الفهم و ركود الدّهن و ضعف الذّاكرة و العقوق و التنطّع؟
هل كان الثّعلب بمكره يجرّ الأرنب و يدفعها إلى جحر الضبّ لتكتشف حكمة و رزانة و عدل من لا وجود له في مملكتها الّتي بدأت تسودها الفوضى لتعود إلى اهلها و هي تدعو له و تطلب له البيعة؟
أكيد أنّه توجد مزارع حيوانات كثيرة على هذه البسيطة كتلك الّتي وصفها جورج أوريل، و من الواضح أنّ امتناع الثعلب عن افتراس الأرنب كان نتيجة لقانون ما التزم به متساكني المزرعة و ربّما لدستور توافقوا عليه و مكّن الأرانب و الثعالب و الدجاج و الأحمرة و الكلاب و الضباع و كل من تواجد على تلك الرّقعة من التّعايش و التّساكن بوئام نسبي،و الواضح أيضا أنّه يوجد دوما أمثلة لنابليون و سنوبل و لتجاذبات حادّة أدّت في النّهاية الى حالة اقتربت من حافة الاحتراب و الفوضى أجّجتها أياد من داخل المزرعة و من خارجها ممّن يعشقون صمت القبور و يكفرون بأيّ دستور.
المهمّ أنّ الضبّ بذاك القانون و ذاك الدستور اختير ليدير شؤون المزرعة فكان أوّل ما قام به أن التهم الدستور و أخرج لهم آخر من عصر حجري غابر، فعقدته الأساسية هي نفسية بالأساس فهو لا يطيق إطلاقاً سماع ما يروج عنه في الآثار بقولهم"أبله من ضبّ" كما يجنّ جنونه حينما يصنّف من الزّواحف و الحرشنيات و هو يرى في نفسه ديناصورا عظيما عندما يقف أمام المرآة!
و منذ تولّيه زمام الأمور انهمرت المصائب على المزرعة من كلّ صوب، يبس الزّرع و جفّت الينابيع و انتشر الوباء و القحط بل و عمّ الصّمت و الخوف،فأبا الحسل طارد الدّيكة المؤذنة بالفجر و أطلق كلابه لتخرس كلّ صوت يمكن أن يعلو فوق صوته، و هو يعتقد جازما بأنّه يخوض حرب وجود كما خاضها قبله أجداده من الدّيناصورات و سيعيد المزرعة إلى العصر الترياسي المجيد،فكيف لبعض السذّج من الأرانب و الدجاج و الخرفان و العصافير أن يحدّدوا له زمنا ببعض سنوات؟
ما السّنوات في عمر الديناصورات؟ كيف لديناصور أن لا يحكم مدى الحياة؟