مازلت أذكر هدف ماركو فان باستن في نهائي يورو 1988،تسديدة على الطّائر بقدمه اليمنى من أضيق الزّوايا على يمين منطقة الجزاء لتستقرّ الكرة في شباك حارس الاتّحاد السّفياتي داسييف،هدف عانق الرّوعة و صنّف ضمن أحسن الأهداف في تاريخ المسابقات الكرويّة.
فان باستن هذا المهاجم الفذّ ابن بلد اللّوتس و فان غوخ و الدرّاجة الهوائية و طواحين يدريك، هولاندا الّتي أنجبت كذلك السّاحر الأنيق كرويف و الفنّان غوليت ،و كان أحد فرقها مصنع النّجوم أجاكس امستردام خير سفير لها في أوربّا و في العالم.
_سرد للواقعة:
أجاكس استضاف مؤخّرا فريق مكابي تل أبيب في نطاق المسابقة الأوربّية، و قد رافقه في رحلته الى امستردام قرابة 3000 "مشجّع"،و من ضمنهم من كانوا في الجبهة يمارسون هواية قتلهم للأطفال و النّساء،و في العادة يرسل هؤلاء للتّرفيه و التّرويح عن النّفس بعد جهدهم في جرائم الإبادة،استراحة ترفيهيّة تمنح لهم كمكافأة ، يتوجّهون خلالها إلى حيث يرغبون و الغريب أنّ أغلبهم يتوجّه في العادة إلى الإمارات أو المغرب أو مصر أو أذربجان أو الى بلدانهم الأصلية.
ليلة المباراة جاب هؤلاء المتوحّشون الهمّج الغوغاء شوارع امستردام الرئيسية و هم يعربدون و يهتفون بشعاراتهم العنصرية القميئة ضدّ العرب و الفلسطينيين:" الموت للعرب"، لم تعد مدارس في غزّة لأنّه لم يعد هناك أطفال".
و قبيل المباراة رفضوا الوقوف دقيقة صمت تضامنا مع ضحايا إعصار فالنسيا باعتبار مواقف اسبانيا المساندة للقضيّة الفلسطينيّة و الّتي رفضت رسوّ السّفن المشحونة بالسّلاح و المتوجّهة لقتل الأبرياء على عكس ما فعلت المغرب و مصر مثلا،و خلال دقيقة الصّمت تلك قاموا بالتّشويش و التّهريج و التّصفير.
و مباشرة بعد المبارة الّتي انتهت بهزيمة شنيعة فوق الميدان كهزيمتهم في ميادين القتال حين يواجهون الرّجال في غزّة و جنوب لبنان،انتشروا كالجراد في ساحة امستردام الرّئيسية متعرّضين للمارّة و مستفزّفين لهم و هم يهتفون بشعاراتهم الكريهة تجاه العرب و الفلسطينيين و منزلين ثمّ ممزّقين لأعلام فلسطينية رفعها فوق الأبنية بعض النّاشطين و الدّاعمين للقضيّة الفلسطينيّة.
وقع كلّ ذلك تحت أعين الشّرطة الّتي لم تتدخّل فما كان من الحضور و أغلبهم من المغاربة إلّا أن ردّوا الصّاع صاعين و أذاقوهم ما يستحقّون و أدّبوهم كأفضل ما يكون.
و لمن يستهجن ردّة فعل هؤلاء و لا يتفهّم كمّ الغضب المخزون في الصّدور،المتراكم مع استمرار المجازر، عليه أن يبيّن لنا ماذا كان عليهم أن يفعلوا و هم يسمعون المسوخ و هي تهتف"دع الجيش الاسرائيلي يفوز و يضاجع العرب"و "انكحوا العرب" و " الموت للعرب" ؟
أينزلون سراويلهم كما فعل و يفعل القادة الخونة و المتصهينون العرب؟
أيستجيبون لدعوة قتلهم و اغتصابهم و يستمتعون؟
_سرديّتهم الكاذبة:
ما إن انتشر خبر واقعة التعرّض لمشجّعي الفريق الصّهيوني حتّى تتالت البيانات الرّسمية المندّدة و كأنّ هولوكوست جديد وقع ، ليستنسخ ما تمّ بعد السّابع من أكتوبر و يُلبس الجلّاد المجرم ثوب الضّحية،هكذا تُقلب الحقائق و تُمرّر سرديّتهم المخادعة الكاذبة بفضل آلتهم الإعلاميّة الضّخمة و بمساعدة الخونة من بني جلدتنا.
هذه العصابة المجرمة المغتصبة للأرض و العرض ، الّتي قدمت الى امستردام في استراحة محارب بعد أن أوغلت في الدّماء و قتل الأبرياء و لم يسلم منها حجر أو شجر أو بشر صارت ضحيّة ، و تحوّلت الضّحية إلى متّهم و معاد للسّامية؟
ألا توجد محكمة لاهاي للعدل الدّولية على بعد كيلومترات (64,2كلم) من امستردام؟ أليست هي من أدانت الاحتلال و أثبتت ارتكابه لجرائم الإبادة وتخضع للضغّط حتّى لا تصدر بطاقة جلب في حقّ المجرمين النّتن ياهو و غالانت في حين أصدرتها في حقّ الرّئيس بوتين في ظرف ساعات؟
ماذا يفعل فريق كيان مجرم في عاصمة العدل الدّولي؟ عن أيّ قانون دولي مازالوا يروّجون له؟
ألم يعاقب الاتّحاد الأوربّي لكرة القدم و الفيفا الفرق الرّياضية الرّوسية و منعها من المشاركة في جميع المسابقات؟
ماذا ارتكبت روسيا من جرائم مقارنة بما ارتكبه الكيان الغاصب المزروع و هي تبثّ يوميّا على المباشر دون أن يحرّك العالم المنافق ساكنا؟
هو النّفاق في أبهى تجلّياته و هو الحَول الّذي أصاب العالم المتوحّش و هي نيوكولونياليّة ما بعد الحداثة الّتي تفرض غصبا سردياتها الكاذبة.
أيّ عدل ننتظر ممّن لا يقيمون وزنا للعدل حينما يتعلّق الأمر بذواتهم المتضخّمة المتورّمة المحتكرة لحقّ القوّة؟
تصرّف هؤلاء الصّهاينة الهمّج تماما كما كانوا يفعلون في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة،مجرمون،خارجون عن القانون و فوق القانون.
_ليلة النّجوم المرصّعة:
لا يمكن لزيفهم أن يسود و يدوم مهما عظمت آلة كذبهم و استعمروا العقول و غيّبوا الوعي و سحروا العيون.
سقطت سرديّتهم و تهاوت مع انطلاق الطّوفان و لا يمكن جبرها بعد كسرها.
لم يكن من تصدّوا لعربدة الصّهاينة في امستردام حصريّا من المغاربة أو العرب،كان إلى جانبهم الأتراك و الهنود و الأفارقة و كان كذلك من بين من ناصرهم و ساندهم بعض من سكّان هولاندا الجرمانيون و الأوربّيون ذوو البشرة البيضاء ممّن أيقظ فيهم طوفان الأقصى إنسانيّتهم،قيامة شاهدناها في باريس و لندن و في نيويورك و سيدني و في مختلف أرجاء العالم.
لنستقرئ مرّة أخرى لوحة فان غوخ الشّهيرة الّتي رسمها سنة قبل موته (سنة1889) و نشاهد تلك الأعاصير الدّائرية الّتي تتشكّل حول النّجوم المرصّعة ثمّ تتدفّق بانسيابيّة فتضيء عتمة اللّيل و كأنّها طوفان نور في الظّلمة.
قال فان غوخ ذات مرّة: " لقد شاخ العالم و كثرت تجاعيده و بدأ وجه اللّوحة يسترخي أكثر...أريدأن أعيد الأشياء إلى عفويّتها كما أنّ العالم قد خرج توّا من بيضته الكونيّة الأولى".
هكذا قاوم فان غوخ بفرشاته و ألوانه و رسم الطّوفان كما قاوم السّنوار ببندقيّته و عصاه و فجّر ذات الطّوفان، فالطّوفان واحد تماما كالإنسان.