ضاقت اللّغة بما رحبت و عجزت عن التّعبير عن مواجعنا،وفاضت آلامنا محطّمة جدار الوصف،تحطّمت الكلمات و انتحر الحرف،لا معنى يصف هذا المعنى، لا شيء يصف هذا الشّيء،لم تعجز اللّغة بقدر عجزها هذا اليوم، لا أدوات و لا أساليب، لا استعارة و لا تشبيه، و لا قواعد نحو أو صرف.
انهزمت اللّغة و انسحبت وراء ستار الصّمت. ماذا بقي من منطوق الوجع و لم يطرق طبلات آذاننا؟ صرخات أطفال يموتون جوعا،صيحات الجرحى،استغاثات الضّحايا تحت الرّكام،آهات الثّكالى ،حشرجة الموتى؟ ماذا تبقّى من صور الوجع و لم تصدم أبصارنا؟ الأشلاء المقطّعة و برك الدّماء و كلّ صور الموت المنتشرة، و قطط و كلاب تنهش جثت مبعثرة.
لا تقسوا على تلك القطط و الكلاب،فهي في حكم المضطرّ،و لم تكن لتفعل ذلك مع من أحسنوا إليها و هم أحياء لولا الجوع القاتل. لا تقسوا على تلك الكلاب و القطط فهي لا تمثّل الّا قلّة شاذّة تماما كعصابات الطّرق و سرّاق قوافل الاغاثة، فغالبيّةتلك الحيوانات الأليفة طيّبة كطيبة أصحابها الطّيّبين، الصّامدين،المتشبّثين بأرضهم كشجر الزّيتون، أطعموها و هم أحياء و أطعموها و هم أموات.
كلاب و قطط و دواب غزّة هم أقرب للأنسنة ممّن فقدوا إنسانيّتهم،ممّن سيقيمون مهرجانا عالميّا للكلاب شماتة في من يعتبرونهم كلابا ، من انتقدوا رقصهم و ردحهم على جثت الضّحايا.
وصفوا من انتقد صفاقتهم بأنّهم طيور ظلام يكرهون الحياة وكلاب مشرّدة نابحة،قتلتهم الغيرة من مسيرتهم النّاجحة،و لن توقفهم كلّ تلك الأصوات النّائحة عن الاستمرار في سقوطهم الحرّ في قاع الهاوية؟
"موتوا بغيظكم" هذا شعارهم منذ نسخة داعش إلى حضن الفاحشة، و جديدهم مهرجان عالمي للكلاب الرّاقية، سيتنافس خلاله 350 كلبا "عالميا" على جوائز قيّمة بقيمة ملايين الدولارات للفوز بجائزة أسرع كلب و أجمل كلب و أكثرهم رشاقة.
هي بادرة طيّبة و خطوة أولى في حرّية و شفافية الاختيار على درب التمرّن على الانتخابات في بلد يسجن فيه من لم يعلن ولاءه لوليّ الأمر و قد "ينشر" أو يفرم،و هي علامة بارزة في طريق التحضّر و الاهتمام بحقوق الحيوان،بالرّغم من أنّ المسابقة لن تشمل سوى بعض الكلاب المنتقاة من علية القوم و الّتي تتمتّع بما لا يتمتّع به المواطن الكلب.
لا أدري لم كلّ هذه الهجمة على كلاب بشريّة هجينة تريد أن تكرم كلابا طبيعية أصيلة؟ أليسوا هم من يحرسون باب الحرمين و يقتطعون رسوم الدّخول ،فما المانع إن رقصوا و ماسوا على جثت الأبرياء، و فعلوا ما لم تفعله عاهرة؟
و ما العيب في إقامة مهرجان عالمي للكلاب الارستقراطية الملكيّة الرّاقية بالتّزامن مع إبادة و حصار شعب نهشت جثته الكلاب الجائعة؟ و ما الجديد في قبحهم و عهرهم و خيانتهم،أترونها سابقة؟
مشهد سريالي عبثي تقف أمامه اللّغة بكلّ ترسانتها مكبّلة عاجزة بمستوى عجزنا المميت المذلّ و هي تمطر علينا تلك الصّور الصّادمة. لا معنى يصف هذا المعنى و لا شيء يصف هذا الشّيء.