حسب رأيي يجب أن نتفق حول مسألة مهمة وهي أنّ "الزلزال" ليس قيس سعيد كفرد أو كشخص أو كفاعل أو حتى كمجموعة... بالضبط كالثورة التي لم تكن محمد البوعزيزي كشاب ينتمي إلى فئة وإلى جهة معينة.... حرق نفسه فانطلقت الشرارة التي ألهبت الهشيم المتراكم حولها ...
لما نتحدّث عن ظاهرة ونريد فهمها علينا أن نفكّك جميع مكوناتها ونربطها بمقدماتها وما تخللتها من أحداث وننظر إليها من زوايا مُختلفة حتى نلتقط التفاصيل.
الزلزال هو في تفرقع المشهد القديم... هذا المشهد الذي ظهر أمامنا بشكل فجئي في "وضعية" غير مُتوقّعة:
- الساحل يخسر رهان الرئاسية رغم تجنّد جميع قوى المال والأعمال لربحه!!!!!
- كمال لطيف يعجز عن صناعة رئيس. وهو البعبع الذي يُخوفون به أكبر السياسيين.؟
- الجامعيين والأكادميين والمثقفين والتكنوقراط الملتحقين بالزبيدي والمناشدين له رغم أهمية مواقعهم وقدرتهم على التأثير وعلاقاتهم القديمة بالسيستام يفقدون القدرة على تحقيق انتصار.
- فلوس الإمارات لم تكن مُحفّزة ولا مُحرّكة للناخبين من الفئات المدعوسة.
- ماكينات الأحزاب فقدت السيطرة.
- ماكينات الإعلام فقدت الاستطاعة.
"الزلزال" أنّ النهضة تحصل فقط على 360 ألف صوت رغم ما عُرف على الماكينة القوية والفلوس والانضباط والتنظّم... وأنّ المرزوقي الذي كان رئيسا انتخبه مليون و370 ألف مواطن في 2014 يخرج من الباب الصغير بنسبة لا تتجاوز 2 بالمائة وأنّ عبو لا-شيء رغم الفوعة؟ وجمعة صفر فاصل رغم طوطال وفلوسها؟ وأنّ الجبالي القيادي التاريخي ورئيس الحكومة السابق يخرج منكسر.... الزلزال في "اللطخة" القوية التي هشّمت الصورة... ووضعتنا امام صورة جديدة ليست مبروزة.
"الزلزال" لم يصنعه قيس سعيد ولكن هو عنوانه... هو تمظهراته البرانية.
"الزلزال" في أنّ الشعب الأمّي والجاهل والمُفقّر كسّر الصورة النمطية للممارسة الانتخابية وأنهى حكاية الماكينات والإعلام والفلوس...وأنّ الشباب الذي لا يُحسن كتابة جملة بالفصحى على حدّ قول بعضهم أسقط مُرشّحي "الساحل" (الزبيدي وجمعة) ومرشّحي "البلدية" (مورو والشاهد)... أنّ الشباب صنع مقاييس جديدة للاختيار وغير قواعد اللعبة وصفع الطبقة السياسية بقيس سعيد.
صعود القروي للدور الثاني بفارق 3 نقاط عن مرشح النهضة في حدّ ذاته "زلزال" ... لطخة للنهضة التي ساهمت في صناعة المشهد بأدوات التوافقات الهشّة وانخرطت في مسار دون أن تقرأ حساب المتغيّرات الاجتماعية…
الحكم على "الحدث" بأنه حادث عرضي artefact وكبوة مؤقّتة وسيقع تجاوزها والسعي إلى إعادة إنتاج نفس المشهد القديم بنفس الفاعلين وبنفس الموارد وبنفس الخطاب فهو لعمري "غباء سياسي"... لأنّ الزلزال حتى إن لم يكن قاتلا فهو يترك تصدّعات وفتوق يصعب رتقها.
من لم يستوعب الدرس ولم يفهم التحوّلات العميقة والسريعة عليه بصبري... لأنّ الشرعيات القديمة تآكلت وهيمنة الأيديولوجيا تقلصت وفاعلية الأدوات التنظيمية القديمة ضعفت.
غيروا الباراديغم وجدّدوا مُقارباتكم لفهم "المُجتمع"... المجتمع لم يعد يُعرّف بالطبقات أو الفئات او الشرائح أو الجغرافيات.... وإنما بالتحولات.