سنة 2004 التقيته على هامش ندوة الحج الكبرى بالسعودية. وكانت زوجته للاّ عائشة برفقته. كانت سيدة بسيطة وذكية وذات ثقافة واسعة. في ذاك السياق كانت لابسة جلباب اسود من النوع الرخيص و حجاب أبيض وكانت تتحرك بعفوية وبدون تصنّع ولا تكلّف. وكان سي عبد الوهاب هادئا مبتسما قليل الكلام.
يوم الندوة كنت جالسة إلى جانب للاّ عايشة ولما قام رئيس الجلسة بتقديم بوحديبة وعدّد أعماله ومؤلفاته والمناصب التي اشتغل فيها دوليا وعربيا و وطنيا... حشمت وتجمدت في مكاني. كانت للاّ عايشة تنظر إلى سي عبد الوهاب بعين كبيرة وكانت نظرتها تخفي برشة معزّة واحترام ....
رافقتها أيام الحج والعمرة.... كانت تحكي لي على حياتها وسفراتها والعلاقات التي لديها على مستوى العالم. وعلى بوحديبة الزوج وبوحديبة الأب.... بوحديبة الإنسان.
كنت أتابع بوحديبة وهو يؤدّي مناسك الحج. وهو يتكلّم ويحاضر ويناقش مع كبار علماء الأمة. وكان يصغي وينصت للصغير قبل الكبير. في بعض الجلسات الضيقة كان يحكي على تجربته وعلى دراسته وكيف فرض نفسه في السوربون. فهمت انّ الدين واسع وعريض ومتعدّد ومتنوّع…. وأن من يدافع عن الدين ليس بالضرورة يهز كلاشنكوف.
وبدا لي بوحديبة أفضل مثال لهذا الإسلام المنفتح على الآخر… الإسلام العقلاني الذي لا تراه ولكنه يغمرك فعلا وقولا….
لما درست علم الاجتماع تعرّفت على بوحديبة من خلال تلامذته …. وفهمت أن الرجل حوله جدل كبير. وذاك الجدل تشابك فيه السياسي والايديولوجي بالمعرفي. خلال بحث الدكتوراه تعرفت أكثر على بو حديبة من خلال اعماله وكنت كلما أبحرت في غوغل أكتشف قيمة الرجل المعرفية …. وفهمت سبب الجدل.
بوحديبة فضلا على اعماله المنشورة بلغات عالمية والتي يستشهد بها جلّ الباحثين في علم اجتماع الدين وخاصة بحثه عن الجنسانية في الاسلام … فقد ساهم في تعريب الفلسفة في الجامعة التونسية وهو من أسس تقليد النشر باللغة العربية في مجلة ceres. وهو من دافع على ابن خلدون وعلى علم الاجتماع التونسي.
وهو من قاوم الإقصاء والفرز الأيديولوجي الذي كان يمارس في الجامعة التونسية. ودافع على وجود منصف وناس في هيئة التدريس بكلية 9 أفريل. ولم يخضع لابتزاز البوليس السياسي المتخفي في زي الأستاذ الجامعي. رجل بحجم مشروع وطني…. لكن الوطن ابتلاه الله بطبقة من المثقفين تشكّل مزاجهم العلمي داخل منظومة معرفية هندستها الإدارة الاستعمارية.
حرّاس المعبد الأرثوذكسي والآباء اليسوعيين بالجامعة…. أقلقهم بوحديبة لأنه قتلهم معرفة وعلما.
رحمه الله رحمة تليق بعلمه.
تنويه: اغلب الكلام شهادة قدمها المرحوم منصف وناس في ندوة تكريم بوحديبة. وعقب عليها سي عبد الوهاب وزاد عليها.