شعب كان مكمّم وفمّه مخيّط... "أخذ الكلمة" وأصبح يتكلّم في كلّ شيء ويعبّر دون خوف.
أشكال التعبير تختلف باختلاف زاوية النظر... والآراء متنوّعة بتنوّع "التوانسة".
التوانسة ليسوا مُتجانسين لا في مستواهم التعليمي ولا في تجاربهم الشخصية ولا في تصوراتهم وتمثلاتهم... هم خليط من محافظين وحداثيين وإسلاميين وسلفيين وديمقراطيين ويسار مُتكلّس ويسار مُنفتح وعروبيين أوفياء لفكرة جمال عبد الناصر وعروبيين يعشقون القذافي وصدّام حسين وقوميين يكرهون أردوغان ويعتبرونه رمزا للإحتلال... وكثير من التوانسة يحبّون نصر الله وبالنسبة إليهم إيران أفضل من أمريكا وأفضل من تركيا... وهناك جزء كبير من هذا الشعب ما يهمه كان خبزه اليومي ومستقبل أولاده وقرايتهم.... والباقي "قلوب بيضا" تنحّي الستراس.... وهاني معاكم.
هذا الشعب رغم تنوعه وتعدّد مصادر تلقيه... احتجاجته مداها "الكلام" وأسلحته "مُفردات" بعضها من قاموس الشارع وبعضها الآخر من قواميس الأدب والسياسة ... معاركه يحسمها بسبابة وحملة انتخابية... وشوية حديث على الفايسبوك ليقول "أنا موجود".
السياسيون يُقعّدون الكلام ويقعّرونه... لكنهم في الحقيقة هم يكرّرون ما يقوله الناس بلغة سلسة وبسيطة وأحيانا خارج قواعد اللغة... فيلوون ألسنتهم بكلام "كبير" لكنه دون معنى مُحدّد.... يمارسون الاستيهام والتدجيل لبناء مشروعية "حقّ التكلّم".
الإعلاميون يستعملون مُفردات من القواميس السياسية ويركّزون في حديثهم على استعمال مفاهيم خاوية من المعنى "حشو".... فقط لإيهام المستمعين بخصوصة معاجم اختصاصهم. وبأهمية دورهم في تفكيك المشهد.
اتركوا الشعب يتحدّث ويعبّر… "أخذ الكلمة" نظرية سوسيولوجية تُعالج ظواهر انسانية عامة…. بعد كلّ "ثورة" إمّا سيول من الدماء وإمّا سيول من الكلام…. الإنسان خُلق ليمارس العصيان… واستخلفه الله في الأرض ليتحمّل مسؤولية خياراته.
التجربة هي التي حوّلت آدم إلى إنسان…. لو لم يتجرّأ على شجرة الخلد والملك لبقي ملاكا. العصيان أرقى الممارسات الإنسانية….
الشياطين والأبالسة فقط يقلّقهم آدم/الإنسان…. فيُخرجون عصيانه عن طابعه "الإنساني" ويُحوّلونه إلى فعل إبليسي….
كفى إغواء….