كنت دائما أتساءل عن معنى شياطين الإنس... البارح شفت شياطين كثر. الشيطان وظيفته "المكر" و"التفتين" و"صبّان الزيت على النار". ألسنة ماكرة وأقلام فتّانة ومدوّنون يصبون زيتا على نار مُتخيّلة... سيوف خرجت من أغمدتها وسهام مسمومة انطلقت في لحظة واحدة في اتجاه "الوطن". وجحافل من الجيوش وقع تجنيدها واستغلال حماسها واستجابتها السريعة لتوظيفها في معارك الكلّ ضدّ الكلّ.
نحن في لحظة تحتاج الكثير من العقلانية والشعور بالمسؤولية... نحن نعيش تجربة صعبة واختبار عسير لقدرتنا على "العيش المشترك" و"التعايش السلمي".
لم تنتصر النهضة ولم ينهزم الفخفاخ ولم ينهزم الجملي أيضا... وليست النهضة من أشعل النيران وليس قيس سعيد ولا الطبوبي من سيطفيها... لسنا في حرب ولا في غزوة ولا في سياق فتوحات....
هي التحولات العميقة التي فرضتها الثورة وهي مرحلة انتقال عسيرة من "الديكتاتورية" إلى ما بعدها... هي قيء يخرج من جراح تعفّنت ولم يُشفى أصحابها. وبات ضروريا أن نضع عليها ملحاً.... ونحتمل الوجع.
النهضاويون لم يُشفوا من جراح الإقصاء ومن آثار التجمّر والقوميون لم يتعافوا من عركة عبد الناصر وحسن البنأ واليسار مُتكلّس ومُتمسّك بمقولاته القديمة ولا يرى في الإسلام السياسي إلاّ عدوّه الاستراتيجي.... التجمعيون مُنكسرون والدساترة مُنهزمون.
وبين/داخل هؤلاء جميعا يوجد الأبالسة.... جماعة لا دين ولا ملّة وفي كلّ سوق يهيمون وفي كلّ محفل شادين فتيل "الفتنة"..... فقط يبحثون على "لحمة" أو "عظم" أو "كعبة بقلاوة" لا يهمّ من سيرميها لهم.... هم بارازيت للتشويش وبمجرّد تحديد وجهة الذبذبات ينتهي دورهم....
الهدووووء ضروري.
بعد تسونامي تبتلع الأرض الماء الصافي ولا يبقى غير "الزبلة" في الكياس... تحية للعقلاء في لحظات الجنون القصوى....
قيس "القانوني" يمشي ببطئ لكنه منتصب القامة يمشي…
الحين يتدحرج رجل "العلم" ويكتب تحت السطر... ويأخذ كلام من جدران المدوّنين ليتحدّث عن دستور الجدران ويوهم الناس بأنّه "المُتكلّم" باسم المنطق والعقلانية ويستعمل حيل "المذهب" و"الطائفية" ليبرهن عن وجهة نظره.... نكون جميعا سطعنا في جدار "التفاهة" المركّب....
حين يُداس على "رمزية" رئيس الدولة ويُرذّل شعار "الشعب يريد" ويُستنقص من قيمة "الإجماع الوطني"... ويعمل الباشمارغا على تقليص ألق تونس في تمثلات الشعوب المضطهدة.... حين يكتب المرتزقة سردية الثورة بحبر مسموم ويروّجونها عبر الفضائيات والمواقع الإلكترونية نكون أمام "لا-معنى" مركّب.
إلى حدّ الساعة قيس سعيد ملتزم ببنود الدستور ولم يزد فصلا ولم ينقص فصلا ... ولم يخرج عن السطر ويكتب بخطّ كوفي جميل ويتكلّم فُصحى وينام في المنيهلة بجوار الغلابة والمحرومين ويشرب كابوسان مع ناخبيه ويُطبطب على كتف اليتيم وقليل الحيلة.
قيس "القانوني" يمشي ببطئ لكنه منتصب القامة يمشي… تجنّد ضدّه "الإعلام" النوفمبري والأقلام المأجورة للباشمارغا وعلماء مؤسسات المال الفاسد والرأي الفاسد والسياسة الفاسدة…. والإستخبارات والسفارات واللوبيينغ. لكنه لم يخرج عن صينته.
هو ليس الخير كلّه … ومهما قاموا بشيطنته لن يكون الشر كلّه.
• ناقص سياسة… صحيح
• ناقص شهائد علمية… ربما
• ناقص تكتيك… أكيد
• ناقص حنكة… العلم عند الله
الباجي لديه كلّ هذا آش عمل لتونس؟ غرّقها بين الشقوق وخرق الدستور في أكثر من مناسبة ورذّل الإسلاميين وأهانهم في كذا مرة… وسبّ الإعلاميين وقال على البوليسية قرودة وعيّن نصف عائلته في القصر وشطح وردح هو وحافظ والشاذلية… الباجي عيّن سعيدة قرّاش ولم نسمع كلمة واحدة وعيّن بن نتيشة والناس بلعت ألسنتها وعيّن القروي مستشار يأخذ شهرية وهو راقد في داره والناس لم تحرّك قلما….
وعيّن بشرى وسلمى اللومي وغيرهم ولم نسمع أبو يعرب ولا أبا فراس ولا أبا مراس يكتب أو يتكلّم…. كان على قلبهم أحلى من العسل.
الباجي محامي ورجل قانون ومع ذلك خرق الدستور ورجال "القانون الدستوري" ما تحرّكوش…. وما قالوش علاش وكيفاش…. اقترح قانون مُخالف للدستور وللأعراف ولم يُقال عنه أنّه رئيس "الجندريات"….
الكلب يموت كان على خانقه….
إلى حدّ اللحظة قيس سعيد رئيسي… وأفتخر. التفاصيل يمكن مناقشتها تحت جدار الوطن… وليس تحت جدران الجهات المانحة. ثورة هي صنف من أصناف الجنون الجماعي… الثورة يروّضها العقلاء.