أضعنا الفرصة التي وفّرتها "ثورة" 17-14 لإعادة بناء مصفوفة القيم التي تنظّم علاقتنا وروابطنا... لم نشتغل على التغيير في بعديه الاجتماعي والقيمي.
انخرط الجميع في معارك الآن وهنا... وكان شعار الحملة الانتخابية لسليم الرياحي أحسن تعبيرة على تلك المرحلة: "تو!!!"... لم يكن لأبناء الثورة تجربة في القراءة والاستشراف.
الجميع كان يبحث على غنيمة (كرامة) أو على موقع (إعتراف) داخل بلد أنهكته الديكتاتورية ونخر مفاصله الفساد ودولة اللاّمواطنة واللاّكرامة.
كان أبناء القصبة على عجلة من امرهم (لأنهم شبعوا إذلالا) ففرّطوا في "ثورتهم" وتركوا القديمة تحدّد مسار الجديدة وتتحكّم في أولوياتها ... قبلوا بالمبزّع وبالسبسي وبهيئة بن عاشور (وهي الخطوة الأولى في طريق التراجع). وعاشوا وهم التأسيس وانتشوا بفكرة الترويكا وهي الخطوة الثانية في طريق الهزيمة وقبلوا بالتوافقات وهي النكسة واقعا ملموسا.
بعد انتخابات 2014 لم يعد جائزا الحديث عن مسار ثوري... لأنّ الثورة سياق والسياق أصبحت تتحكّم فيه القديمة بمخزنها وفسّادها ومُفكّريها وإعلامييها وومُثقّفيها وتكنوقراطها.
أبناء القصبة نصفهم انخرط في معارك خاطئة (قوميين ضدّ إسلاميين وجماعة البراميل ضدّ جماعة الحشد الشعبي والصفويين ضدّ العلويين والشيعة ضدّ السنة وجماعة حفتر ضدّ جماعة السرّاج وجماعة البسكلات ضدّ جماعة حمامة طارت وجماعة باردو ضدّ جماعة قرطاج....) ونصفهم الثاني جزء منه طلع فوق الربوة وبقي يتفرّج والمتفرّج فارس وجزء دخل في القديمة وأصبح المدافع عن خياراتها....
اليوم كورونا وفّرت لنا فرصة ثانية للتفكير بعمق في مآلات خيارت التأسيس والتوافق. اليوم عندنا وقت للتفكير والتقييم والمراجعة... مراجعة خياراتنا الشخصية وخياراتنا الجماعية. مناقشة خيارات الدولة المالية والسياسية. وإعادة النظر في مشاريعنا التي أدّت إلى ما نحن عليه من فوضى قيمية....
للأسف ما نُعاينه من استيهامات وتوهّمات وإعادة إنتاج سياسات الخيبات يُخبر بانهيار "الدولة" وينبئ بعهد "حماية" جديد… وهل ينفع التمديد والتجديد والمسار والنظام البرلماني (الرئاسي) في حالة الموت السريري للدولة.