الجيل الأول من حركة النهضة حلّ عينيه على "الجماعة" وتشكّلت شخصيته على مبدأ "حق الاختلاف وواجب وحدة الصفّ"... يختلفون لكن الكلمة الأخيرة "للجماعة" وأحيانا "الجماعة" تختزل في فرد.....
ليس لديهم الإستطاعة الوجدانية لقطع الحبل السريري مهما اشتدّت آلام المخاض..... حتى لمّا يخرجوا/يلفضهم الرحم يبقوا متمسّكين بالحبل.
وحين يشتدّ الإختلاف و"الفرد" يقرر الإنسحاب (أو يطردوه) ... يسلّ روحه بهدوء ويخرج دون أن يُحدث ضجيج. ولا ينتبه لخروجه كان بوّاب المعبد. فلزوم "الجماعة" اعتبره النووي إحدى قواعد الإسلام، وهي قاعدة التي يؤصلها النووي بناء على ما جاء في الحديث الصحيح، (ولا تفرّقوا) .... جيل مكبّل بالواجب الأيديولوجي.
الجيل الثاني انتماءهم للحركة كان إمّا استقطابا (بو لبيار وجماعة أخرين) أو مصلحة... هؤلاء لم يتخبطوا داخل رحم "الجماعة" ولم يتمرّنوا على واجب وحدة الصفّ ولم يجلسوا على الحصير يحفظون الأربعين نووي (كلّ المؤمن على المؤمن حرام... ومن كانت هجرته... ومن مات وليس في رقبته بيعة ...) ولم ينصهروا داخل قوالب عمودية ولم يتعوّدوا على السمع والطاعة...
هم نبتوا داخل بيئة عالية التسيس (مناخات الثورة) وتلك المناخات تشتغل بآلية الإستحواذ وليس بآليات النقد والتقييم (النقد يعني جهد فكري) ... هم تربّوا في مدارس العولمة واللبرالية (fast food) وجرفهم تيار البراغماتية المؤسس على الفردانية والمصلحة... يعني منظومة قيم متساوقة مع التغيرات التي يشهدها العالم.... سوق شديدة المنافسة مبنية على قاعدة "دعه يعمل دعه يمر"... والغاية تبرر الوسيلة.
طبيعي حين يقع اختلاف (موش في التصورات ولكن في كيفية تحويل تلك التصورات إلى مصالح) ويكتشفون أنّ لا مصلحة تربطهم بـ"الجماعة" يرحلوا مُحدثين خلفهم ضجيج وتفرقيع متاع فوشيك (بولبيار) أو متاع كرتوش حي (العذاري).
ثنائية الفرد/الجماعة... /المصداقية ... مسألة مهمة لتحليل وفهم راهن النهضة ومُستقبلها. جيل مكبّل/جيل مقطّع السلاسل....
النهضة تعيش مرحلة "التحوّل" الجيلي... والعذاري ليس فردأ وإنما هو ظاهرة. ومن يريد الفهم يبحث في الظاهرة وليس في الفرد... في المحركات وليس في الأفعال.