من سُوء حظِّ إسرائيل وحُسن حظِّ فلسطين أنّ جنوب لبنان يحُدُّ شمال فلسطين. لو أنّ منطقةً أخرى من لبنان جاورَت فلسطين، هل كان الاحتلال عانى كلّ هذه المعاناة عبر السنوات والعقود؟
جبل عامل لم يقبل منذ النكبة هذا الكيان النجس على حدوده. أهلُ الجنوب انضووا في صفوف منظمات عربيّة وفلسطينيّة ولبنانيّة مختلفة لمقاومة الاحتلال والعدوان منذ الخمسينيّات. الإقطاع السياسي أراد نشْر ثقافة المهادنة والخنوع في الجنوب، لكنّ الأهالي تمرّدوا وانضمّوا إلى حركة القوميّين العرب والبعث (بجناحَيْه) والشيوعيّين وانتفضوا ضدّ الإقطاع.
في هذه الحرب، ظهرَ ما لم يكن خافياً: «حزب الله» يحتكر المقاومة؛ لأنّ أحداً لا يريد الانضمام إليها غيره، باستثناء مشاركةٍ من «حركة أمل» و«الحزب السوري القومي الاجتماعي» («الجماعة الإسلاميّة» انكفأت بعدما تعرّضت لبضع ضربات).
الشيعة لم يختاروا احتكار المقاومة، وكان شهداء الحزب الشيوعي في الثمانينيّات بأكثريتهم من الشيعة (بحسب تعداد للحزب). لكنْ ليس هناك من طائفة وطنيّة وأخرى خائنة. الشيعة في عام 1982 رحّبوا وهادنوا الاحتلال قبل أنْ ينقلبوا ضدّه في غضون سنة.
لا أؤمن أنّ التراث الدينيّ الشيعيّ هو الذي يولّد المقاومة: شاه إيران كان شيعيّاً كما قادة النظام الأوزبكي الصهيوني. لكنّ التراث الشيعي يمكن استلهامه لمَن يريد أنْ يزرع ثقافة المقاومة والرفض والعناد.
في الماضي، كانت السّلطات الدينيّة الشيعيّة تنشر ثقافة الخنوع والاستكانة مستعينة بغياب المهدي، مُطالِبة الجماهير بالانتظار قبل الانخراط في تحرّك ثوريّ أو سياسيّ ضدّ النظام. مَن يذكُر وضاح الصادق (وغيره من أنصار انخراط لبنان في مسار التحالف مع إسرائيل ــ الخليج، عذراً) عندما جزم (قبل الحرب طبعاً) أنّ «الكل سيُقاوم» عندما يقع العدوان الإسرائيلي.
هو لم يقاوم (طبعاً) وكرّس جهده لتقريع الطرف الوحيد الذي يُقاوم إسرائيل (هو لم يفعل ذلك لخدمة المجهود الحربيّ الإسرائيليّ، والقول بذلك يقع في خانة التخوين الذي هو مُدان في لبنان الجميل). الجنوب عصيٌّ على إسرائيل، وبقي عصيّاً، حتى بعدما تلقّى الحزب أكبرَ ضرباتٍ تعرّض لها فصيلُ مقاومةٍ في تاريخ الصراع. الجنوب هو لعنةُ الصهيونيّة.
وَقْفُ إطلاق النار.
إيجابيّات:
(1) التقاط الأنفاس للفريق الذي يُقاتل منذ أكثر من سنة.
(2) إعادة التنظيم والتركيب.
(3) التركيز على الثغرات الأمنيّة وسدّها.
(4) رصْد عملاء إسرائيل وفهْم تركيبة الاستخبارات التي فتكت بالمقاومة.
(5) كما أنّ إسرائيل خرقت القرار 1701 من قَبل، فإنّ الطرف المُقاوِم يستطيع أن يفعل المِثل، لكنْ من دون طيران.
(6) الناس النازحة مُنهَكة وتعِبة.
(7) هناك حاجة إلى إحصاء الأنفُس والعتاد.
(8) تشكيل شبكة إشارة جديدة.
(9) تعميم ثقافة إلكترونيّة جديدة كانت غائبة من قَبل في وسط المقاومة (النزف البشري في الأشهر الأولى من حرب الإسناد كانت بسبب حمل المقاتلين لهواتف).
(10) خلْق قيادة منفى موازية للقيادة الحاليّة في حال بقيت الثغرة الأمنيّة مفتوحة.
(11) الابتعاد عن حرتقات السياسة الداخليّة وسخافاتها التي أثقلت الحزب وشغلته عن مهمّته الأساسيّة، وخصوصاً منذ الانهيار الاقتصادي.
(12) لم يكن قبول العدوّ بوقف النار في لبنان (خلافاً لغزّة بعد أكثر من سنة) إلّا دليلاً على أنّ المقاومة استطاعت أن تُلحق الأذى بالعدوّ. الصحافة الغربيّة (لا اللّبنانيّة التابعة للسعوديّة والإمارات) أفردت مساحات عن اعتراضات ونقمة من قِبل النازحين من شمال فلسطين. هؤلاء ضغطوا على الحكومة للتوصّل إلى وقف النار.
(13) تثبِت المقاومة أنّها ليست عبثيّة، وأنّها تأخذ في الحسبان مشاعر اللّبنانيّين وتَعطّشَهم إلى السِّلم (من دون اعتبار للمشبوهين الذين يطالبون الحزب بالاستسلام عندما يقاتل، ويطالبونه بالقتال عندما يقبل بوقف النار).
السلبيّات:
• دخول إشراف أميركي على التعطيل.
• الحزب معزول (بسبب أخطائه السياسيّة) إلّا عن الحليف الشيعي.
• هناك قطاع لبناني (بعضه عفوي وبعضه مشبوه حُكماً) ضغط على الحزب للقبول بوقف النار من دون أيّ شروط.
• سيعود المقاتِلون من الجنوب إلى وضع سياسي مختلف جذريّاً يميل إلى مصلحة الحلف الأميركي ـــ الإسرائيلي ـــ الخليجي.
• الاتفاق لا يسري فوراً، وإنّما هناك فترة تجريبيّة تمتدّ لمدة 60 يوماً.
• سيحاول الفريق الأميركي ـــ الخليجي ـــ الإسرائيلي أن يُثير الشِّقاق بين الجيش والمقاومة.
ستصدر نغمة أنّ الحزب تخلّى عن غزّة، مع أنّ الحزب أثبت أنّه أكثر تعلّقاً بفلسطين من أيّ طرف آخر.